الإسلام والعلمانية!

فيما يخص دمج السلطتين الدينية والسياسية فهما فعلا مدمجتان في العديد من الدول ذات الغالبية المسلمة في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، لكنهما لم تدمجا خدمة للصالح العام، بل للتحكم في الثروات والسلطة

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/24 الساعة 04:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/24 الساعة 04:33 بتوقيت غرينتش

ذات يوم من ثلاثينات القرن الماضي، أطلق حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) مقولة مفادها أن الإسلام دين ودولة، علماً أن كلمة دولة نفسها لم ترد لا في النص القرآني ولا في الأحاديث النبوية، سواء الصحيحة منها أو الموضوعة، لكن ما صحة هذه المقولة؟ وهل يمكن فعلاً دمج السلطتين الدينية والسياسية في عصرنا الحالي؟

ما دمنا نتحدث عن النصوص، فلنبحث في بعض أحداث إسلام النبوة والخلفاء الراشدين على نص يكافئ في الدلالة المقولة التي جاءت على لسان المسيح "أعطوا ما لله لله، وما لقيصر لقيصر".

يمكننا إذن أن نستدل بحديث تأبير النخل المشهور ومن جملة رواته عائشة وأنس بن مالك، فقد كان الرسول مارّاً بأحد أحياء المدينة فسمع أزيزاً، فقال: "ما هذا؟"، فأجابوه: "النخل يؤبرونه"، فقال صلّى الله عليه وسلم: "لو لم يفعلوا لصلح"، فعمل أهل المدينة بنصيحة النبي؛ لما له من مكانة وقداسة لديهم، لكن عكس ما يشتهون لم يثمر النخل، وبذلك لم يصدق رأي النبي، علماً أنه لم تكن له دراية بالزراعة، وقال قولته الشهيرة: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

إذن فالإسلام يميز بين الدنيا والآخرة، وهذا التمييز يؤكده القرآن، وحتّى النبي نفسه، أي أنه بشر كسائر البشر قد يخطئ، وذلك مدلول حديث آخر: "إنما أنا بشر، وإنكم لتختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من نار".

قد أستطيع القول إن هذا الحديث أبعد دلالة في التمييز بين الزمني والروحي من سابقه، وهو الشيء الذي نجده في التمايز بين السور المكية ذات المغزى الروحي، والسور المدنية ذات الطابع الدنيوي.

فيما يخص دمج السلطتين الدينية والسياسية فهما فعلا مدمجتان في العديد من الدول ذات الغالبية المسلمة في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، لكنهما لم تدمجا خدمة للصالح العام، بل للتحكم في الثروات والسلطة؛ حيث تم تأويل مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عبر التاريخ من طرف علماء السلاطين، وما أكثرهم في عصرنا، فمثلاً تم تأويل الآية التي تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ)، الخطير في الأمر أن الطاعة خرجت من مجال العبادات وسياق الجهاد إلى مجال السياسة، بل إن بعض الأصوليين ساووا بين طاعة الله والرسول وطاعة أولي الأمر، الذين فهموا على أساس أنهم رجالات الحكم وليس رجالات العلم، هكذا أدّى تحريف النص الديني عن غايته لإضفاء المشروعية على أنظمة الحكم وعلى ذوي السلطان السياسي، وقاد إلى اعتبار الناس قطيعاً في نطاق مجاز – حقيقة لصورة الرّاعي والرعية.

تجربتنا هاته تشبه ما مرت به أوروبا من طغيان كنسي أدّى إلى صراع مرير بين رجال الدين والجماهير الأوروبية؛ لأن رجال الكهنوت تحولوا إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الدين، فانحطت أخلاقهم انحطاطاً عظيماً، واستحوذ عليهم الجشع وحب المال، كما هو الحال الآن مع طواغيتنا الذين أفقروا الشعوب ودفعوها إلى التسول في الخارج، بعد أن استغلّوا استفحال الجهل والسذاجة في المجتمع، بل زِد على ذلك أن هؤلاء احتجزوا لنفسهم حق فهم الكتاب المقدس وتفسيره، وحرموا شعوبهم من المعرفة والعلم، وجعلوا المفكرين والفلاسفة والعلماء يهاجرون للبحث عن التألق في بلدان الغير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد