ما الذي جعلها تحبه وتسكنه أحداق قلبها؟ يتوقف الزمن بنظرة منه إليها، تتجمد خلف شباك نافذة منزلها العتيق التي تشهد كل زاوية منه على ثنايا حبها، أرهقها الانتظار وسرقت منها سنوات الشوق زهرة شبابها، فهل يا ترى ستتغلب يوماً على هذا الإعصار الذي اجتاح قلبها دون رحمة أو شفقة؟
لطالما كرهت نفسها الذليلة وروحها الرخيصة التي تعلقت بروح جامحة لا تتقن إلا تكسير الأضلع وتحطيم القلوب؛ لتجعل منها شظايا متناثرة تعبت من مناجاة السهر ومن محاكاة القمر، أدمنت القهوة والسجائر، أفليست القهوة ونيسة العاشق؟ رشفة قهوة وعقب سيجارة تفرغ فيهما سمها لعل السيجارة تنزع مع كل نفس غل غرامها ومرارة عشقها.
إنها لخطيئة مميتة ألا يرى العاشق في الحب غير الحب.
لطالما تملكها الشوق واخترق الحنين عروقها وذهب بها إلى نوستالجيا ذكريات تملؤها الرومانسية ويغزوها الهيام، فتارة تحبه حب الثوار لأوطانهم، وتارة أخرى تكرهه كره الثوار لحكامهم، وما بين الحب والكره ثغرات يملؤها التمرد والشوق والصيب والألم. فكيف لامرأة تهتز الأرض لعنفوانها ويخرس الكون في حضرة جمالها أن تقع في فخ لا هروب منه وأن تضيع في متاهة لا مخرج منها؟! وضع القدر أمامها خيارين أحلاهما مر، فإما الحب أو الموت، ضياع في متاهة الحب، أو موت خارج المتاهة.
نال القدر منها وتغلب عليها ناموس الحب الصامد، تغيرت عاداتها، أصبحت تميل إلى الوحدة والسكون، بعد أن كانت عاشقة لليالي السهر والصخب.
رن هاتفها فجأة وأخرجها من عالمها الموحش والمخيف، فاستجمعت قواها لترد على المتصل:
– ألو.. ماذا تريد؟ (تحاول قدر الإمكان أن تكتم آهات حبها، نعم ليس بالسهل على امرأة مثلها أن تضحي بكرامتها من أجل حب بلا غد).
– تعرفين أني أريدك أنت، ولطالما أردتك (نعم، فهو يعلم كم هي تحبه، فليس ذنبها هي إنما هي حماقاته).
– نكهة شكي وقوة حدسي توحيان لي بأن هناك خوفاً ما يتملكك (ما بك يا وجعي، لا تقتلني بخوفك، فلم أعتد رؤيتك خائفاً…).
– أنت الخوف الذي يتملكني، أنت وجعي وأنت ألمي، إني أهرب منك إليك يا مولاتي.
– ليس لي لا القوة ولا الطاقة لتحمل لحظات هذيانك هذه (أنت تحرقني يا وجعي، أنت تكسرني) تابعت الكلام وهي تحاول أن تخفي غصة الألم كي لا تظهر في صوتها.
– أنا أحبك، لن أتنازل عن حبك، نعم لا ذنب لك، لكن الخوف من الحب هو قدر رجل بلا وطن (سامحيني يا حبيبتي إني لا أتقن فن الاعتذار).
– لتصبح على غد أجمل.
– أحبك يا متسلطة.
أغلقت الهاتف وبكت حزنها، وبللت وسادتها، ثم رشت عطره على جسمها داعية أن تراه في حلمها.
هو لم يغمض له جفن، إنه يعشقها ويتألم خوفاً من فقدانها؛ ذنبه أنه رجل بلا قدر، فكيف لرجل بلا وطن أن يسمح لقلبه أن يعشق امرأة وأرضه تتألم؟
أحبها دون تفكير وضاع في حسنها ولجأ إليها، أحبها بجميع حالاتها، بطهرها وبخطيئتها، لم تستطع أي امرأة أن تنسيه حبه لها، فهي ملكة قلبه، سلطانة روحه ومرودة كيانه، إنه رجل بلا وطن، أحب امرأة يعشقها وطنها، أحبها رغم اختلاف المذاهب والقيم، أسكنها أحداق روحه، كانت أرق بلسم لجروح لاجئ مغترب، نعم أحبها، لكن ليس أكثر من حبه لمدينته، عشقها لكن حب الشهباء لم يترك كيانه، ففؤاده تسيطر عليه شهباء مستبدة.
إنها حلب الشهباء التي لم يجرؤ شاعر على محوها من خرائط عواطفه، فكيف لرجل حلبي مغرم أن يسعى في حب امرأة وشهباؤه تحترق؟
نام الحلبي، وهو يتحسر على سمرائه، وهو يتألم على شهبائه، نام على وسادة يغمرها عطر السمراء، ملتمساً الدفئ في أشعار القدود الحلبية التي لا تفارق سماعات هاتفه.
نَم أيها الحلبي، فالسمراء تحبك والشهباء لن تخذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.