للدول مكانة تسعى إليها وتعززها، تصنعها بتاريخ نضالي في كل المجالات عبر عشرات السنيين.
كل دولة منها كانت تسعى لمكانة إقليمية ودولية وتريد أن تكون جزءاً مهماً في معادلات التجمعات الإقليمية والدولية.
في عالم متغير تستطيع الدول شق طريقها عبر الاقتصاد والسياسة لتجد لها موطئ قدم ومكانة لدى الكبار.
الشعوب والحكومات على السواء تطمح لهذه المكانة المتقدمة بين الدول ولا تفرط فيها سواء كانت من دول العالم المقدم أو حتى من دول العالم الثالث.
وقد ترث بعض الدول وحكوماتها المكانة الدولية والثِّقل السياسي والدور المهم نظراً لحضارة وتاريخ تلك الدول، حينها تسعى الدولة إلى تعزيز تلك المكانة بكل السبل الاقتصادية والسياسية والرياضية وحتى الحروب.
هذا الأسبوع تم تأجيل القضية الهزلية المعروفة بـ"التخابر مع قطر" تلك القضية الإعلامية التي يراد بها إيهام العامة بأن رئيس دولتهم وبعض معاونيه بالإضافة لصحفيين تخابروا مع دولة عربية شقيقة مثل قطر التي يشن عليها إعلام النظام في مصر حملة تشويه ممنهجة، تلك الدولة الصغيرة (بالمفهوم الجغرافي) التي لا تتعدى مساحتها 12 ألف كم، وقبل 20 سنة لم تكن دولة بالمفهوم الحضاري، لكن خلال عقدين فقط من الزمان أرست قطر دعائم اقتصادية وسياسية مكنتها من التقدم في كل المجالات ليصير ترتيبها الرابع في مستوى التعليم، وتحل ثانية في قائمة الدول الأكثر أماناً بالعالم، والمركز 14 في مؤشر التنافسية العالمي، والترتيب الـ56 في مستوى جودة الحياة.
الدبلوماسية القطرية بوعي واتزان استطاعت أن ترسخ لقطر وضعاً إقليمياً هاماً؛ حيث إنها نشطة جداً الآن وأكثر من أي وقت مضى، وتقوم بأدوار هامة في تهدئة النزاعات وإجراء مصالحات وتقديم وساطات لحل الخلافات، كما فعلت وتفعل في أزمات دارفور والمصالحة الفلسطينية بين حركتَي فتح وحماس، واستضافة محادثات مباشرة بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان، والوساطة في الإفراج عن مختطفين (إسبان ولبنانيين وأتراك) في العراق وسوريا، فصارت الدوحة قِبلة إقليمية ينشدها الجميع.
حتى في الرياضة نظمت قطر كأس العالم لكرة اليد 2015 ، وتنتظر تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 وهي أحداث عالمية شعبية وترويجية هامة.
بالقوى الناعمة والدبلوماسية النشطة وبالدعم المالي أحياناً استطاعت قطر أن تصبح دولة ذات ثِقل إقليمي سياسي واقتصادي بعد أن كانت دولة هامشية من 20 سنة فقط.
مصر دولة كبيرة ورثت مكانة دولية وإقليمية متميزة بسبب مكانها وإمكاناتها الطبيعية والبشرية الكبيرة، الاقتصاد المصري كان عوناً لبريطانيا في حروبها العالمية، ومصر واحدة من 51 دولة أسسوا الأمم المتحدة وإحدى سبع دول سباقة في تأسيس جامعة الدول العربية وإحدى ثلاث دول إقليمية كبرى أنشأوا منظمة دول عدم الانحياز، كل هذا قبل أن تظهر أكثر من ثلاث أرباع بلاد العالم كدول بوضعها الحالي.
اليوم مصر في انهيار اقتصادي لم تشهده من قبل وتقترض يومياً تقريباً وتحتل المركز 139 وقبل الأخير في مؤشر مستوى التعليم، والمرتبة 116 من بين 140 دولة في مؤشر التنافسية العالمي، وخرجت مصر من التصنيف نهائياً في مؤشر جودة الحياة.
اليوم الدبلوماسية المصرية في حالة من التراجع لا يمكن وصفها، تلك التي كانت مفتاح إفريقيا والشرق الأوسط لعقود؛ حيث توقفت عضويتها في الاتحاد الإفريقي بسبب انقلاب عسكري أطاح بتجربة ديمقراطية وليدة، وتفقد ريادتها العربية لصالح دول "الرز الخليجي " ولا أدل على ذلك من كلام صريح من وزير خارجيتها الذي قال خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية ببرلمان العسكر: "إن مصر ليست رائدة ولا تسعى للريادة الدولية، وإن رغبتها تكمن في الشراكة".
بكل ما ورثته مصر من مكانة وإمكانيات لم تستطِع أن تحقق معدلات نمو تتناسب مع قدراتها بسبب الحكام الذين تولوا حكمها، حتى صارت تستدين لرد الدين وتنتظر الوديعة الإماراتية لسداد الوديعة القطرية.
أضاعت الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر المكانة التاريخية سياسياً واقتصادياً، واليوم يتخلى النظام الحاكم عن ثرواتها وأراضيها، ويصفها من نصب نفسه حاكماً عليها بـ" أشباه دول"، في سابقة تاريخية لا يفعلها حكام جمهوريات الموز، ولم يقل لنا طبيب الفلاسفة مَن الذي حول مصر من دولة كبيرة إلى أشباه دول.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.