“اسمي خان.. وأنا عمدة لندن الجديد”

البعض كان يلوم خان لأنه بدأ زيارته لليهود ولغيرهم في مدينته التي أصبح عمدتها، وأصبح ممثلا عن كل أفراداها بأديانهم وطوائفهم ومللهم ونحلهم، يدافع عنهم جميعا ويحترمهم، لأنه يعيش في دولة لا يمكن أن تعيش بدون التعايش والانسجام.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/13 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/13 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

في الفيلم الهندي الشهير "اسمي خان ولست إرهابيا"، نجح المخرج في أن ينقل معركة تشويه المسلمين واتهامهم بالإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر إلى واقع سينمائي معاش، قزّم العقلية الأمريكية العنصرية، التي تقتل القتيل وتمشي في جنازته!

ذلك الهندي المصاب بالتوحّد، وبعد عدة مواقف نبيلة قام بها هناك، استطاع أن يصل إلى الرئيس الأمريكي -في الفيلم طبعا-، ليقول بصوت مسموع: اسمي خان ولست إرهابيا.

منذ أن بدأ محافظ لندن الجديد صادق خان حملته الانتخابية، كان برنامجه سياسيا اقتصاديا يسعى للحفاظ على مكانة لندن، كأعظم المدن الأوروبية اقتصادا وتنوعا. بينما كان منافسه اليهودي الثري زاك غولدسميث وحزب المحافظين خلفه، مشغولون بتشويه سمعة صادق خان ومحاولة ربطه بالإرهاب وتوظيف الإسلاموفوبيا في حملتهم الإنتخابية.

النتيجة كانت أن السحر انقلب على الساحر، حتى إن رموز عديدة من حزب المحافظين الذين ينتمي إليهم غولدسميث صوتوا لخان، انتصارا لمبادىء إنسانية رفضوا المتاجرة بها لأجل السياسة.

البارونة سعيدة وارسي عضو مجلس اللوردات عن حزب المحافظين والوزيرة السابقة، ذكرت لاحقا؛ أن حملة غولدسميث كانت السبب وراء إخفاق مرشح الحزب بسبب المستوى الذي وصلت إليه في الطعن في المرشح المنافس وتعني هنا صادق خان. وأضافت: ما حدث لم يدمر فرصة غولدسميث في الفوز فقط، ولكن أفقدت الحزب سمعته ومصداقيته في القضايا المتعلقة بالدين والأقليات.
بيتر أوبورن، كاتب الديلي ميل اليمينية والمؤيد لحزب المحافظين، أعلن انتقاله لتأييد خان، بسبب الاتهامات التي تعزز الصورة النمطية عن المسلمين التي انزلق فيها الحزب وكبار رموزه، منهم رئيس الحكومة نفسه ووزير الدفاع الحالي الذي صرّح بكل وقاحة: إن خان لا يصلح للمنصب لأن للعمدة دورا مهما في العلاقة مع الشرطة والقوات المسلحة في إطار مكافحة الإرهاب وأن له صلات مع متشددين!!
تلك الحملة لم تخل من تشويه صورته، وبأنه داعم علني للمثلية الجنسية وغيرها من التهم، التي تأثر بها حتى بعض المسلمين هناك.

طبقا لآخر إحصائية أصدرها المجلس الإسلامي البريطاني ونشرها موقع البي بي سي، ذكروا بأن نسبة المسلمين في بريطانيا تصل إلى خمسة في المائة من العدد الإجمالي للسكان بما يتجاوز 3 ملايين مسلم. 47% منهم ولدوا في بريطانيا.
ما هو معلوم أن أكثر من 40% من المسلمين يقطنون في لندن، وتقول الإحصائيات أن هذه الوتيرة ستدفع بوجود أغلبية للمسلمين في العديد من المناطق اللندنية مستقبلا، وهو ما يفسر الحملة الشعواء على صادق خان، لأنهم يعلمون أن عدد المسلمين هناك ورقة رابحة، والتي فشل خصومه على الرغم من حملتهم غير الأخلاقية من توظيفها وإسقاطه.

صادق خان وُلد في لندن، لأب هندي انتقل إلى العيش هناك منذ ستينيات القرن الماضي فقط، لكن قيم المواطنة والعدالة عندما تتنفس ولو بدرجة مقبولة، بإمكانها أن تلعب دورا مؤثرا في تلك المجتمعات.
المجتمعات التي تنتثر فيها الكراهية لايمكن أن تعيش، ستظل مختنقة إلى أن تموت.

البعض كان يلوم خان لأنه بدأ زيارته لليهود ولغيرهم في مدينته التي أصبح عمدتها، وأصبح ممثلا عن كل أفراداها بأديانهم وطوائفهم ومللهم ونحلهم، يدافع عنهم جميعا ويحترمهم، لأنه يعيش في دولة لا يمكن أن تعيش بدون التعايش والانسجام.
هي دروس بإمكاننا أن نتعلم منها في ممارساتنا وتعاملنا مع من نختلف معهم.

بإمكاننا أن نفعل كما فعل بول غولدينغ أحد المرشحين للمنصب عن حزب "بريطانيا أولا" اليميني المتطرف، الذي رفض أن يسير على هدي التقاليد الانتخابية لحظة إعلان فوز خان، حيث أبى أمام وكالات الأنباء والقنوات الفضائية إلا أن يعطي ظهره لصادق خان وللحضور احتجاجا على فوز خان، في سلوك عنصري لاقى استهجان واستنكار كبير في بريطانيا.

مع ذلك؛ عنصرية غولدينغ لم تسوّد إلا وجهه وحزبه وعنصريته، ولم تغيّر من الواقع شيئا، لأن صادق خان وقف على المنصة بعد ذلك السلوك المشين بثوان معدودة ليقول: اسمي خان وأنا عمدة لندن الجديد!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد