من بورما إلى المغرب.. كيف تلبّست الهوية الإسلامية دور الضحية؟

المغرب بهويته الإسلامية المنفتحة، وأمام رفع التحفظ فيما يخص الاتفاقات الدولية حول حقوق الإنسان، يجد نوعاً من الحرج فيما يخص بعض التشريعات مثلا الفصل 489 من القانون الجنائي المجرم للمثلية- لدى اصطدامه بإشكالات اجتماعية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/11 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/11 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

ما الفرق بين صحيفة موثوقة وأخرى غير موثوقة؟ تتحرى الصحف الموثوقة حول مصادر المعلومات وتُخضِع الشرائط والمعطيات للتدقيق والفحص، بغض النظر عن مراسليها بعين المكان. أما الصحف غير الموثوقة فتشترك بتحمّسها المفرط لنشر كل ما يصلها، أو ما لا يصلها، ويصل الأمر حد تضخيم الخبر وتزييف المعطيات لجذب الانتباه! وليس الهدف إيصال المعلومة بشكل حماسي سخيف، إنما يتعلق الأمر بالربح والشهرة ومنافسة الصحف الموثوقة بالاندفاع الإعلامي السطحي!

منذ سنوات، والصحف غير الموثوقة بما في ذلك الصفحات الاجتماعية (التي تظهر بين ليلة وضحاها) وتتطرق لكافة المواضيع: من الطبخ حتى الفيزياء الذرية.. تستدرج سذاجة المشاهد عبر ربط صور -لزلازل بشرق آسيا، عمليات لجوء، إضرابات بالهند، مساجين بأمريكا اللاتينية- بمسلمي بورما! لا أحد يتعرض للحرق والتعذيب في بورما لو كلّف الواحد نفسه بعض الجهد للتحري حول الموضوع، بدل مسايرة العملية الاستدراجية وتعميم الأخبار الزائفة والغبية!

المسلمون في بورما يمثلون أقلية دينية، وبعيداً عن الصور الاستفزازية، فإن المسلمين عانوا من الاضطهاد الديني منذ القرن السادس عشر (الاضطهاد تضييق وليس بالضرورة تعذيب بالكابلات!). بورما تعرضت بتاريخها للاحتلال الماغولي ثم البريطاني، الأمر الذي ولّد رد فعل معادياً لدى البوذيين، فهم يعادون المسلمين وكذلك الهندوس! والموقف عائد لخلافات عقائدية، حيث يرى البوذيون في المسلمين أقلية مستفزة بطقوسها الدينية، وبالمقابل يرى المسلمون في البوذيين عبدة أوثان (بالعمق سوء المعيشة يرخي بظلاله من بعيد). وكما في جل البلدان التي تعاني مشاكل اقتصادية وسياسية، فإن خلافات بسيطة بين المواطنين يمكن أن تتضخم نتيجة الإسقاطات العقائدية المتنازعة: ما يولّد اضطرابات تعيد إبراز الشروخات القبلية، كما بأحداث التسعينيات وبداية الألفية، كل ذلك يساهم، كما يتأثر، بالاستقرار السياسي المتزعزع! ففي سنة 2012 وصل الاشتباك إلى أوجه، فتعرضت مساجد المسلمين وبيوتهم للحرق -وهي أحداث شغب شعبية طائفية- لأن حكومة بورما تعتمد على مبادئ المواطنة، ففي 2005 أصدرت وزارة الشؤون الدينية بياناً حول أحقية كل ديانة بالدولة بحرية الممارسة. فالنزعات المتبادلة والمؤسسة تاريخياً هي سبب الخلاف، إضافة لعوامل اقتصادية تدفع الأقليات للجوء لبنغلاديش وتايلاند اللتين تغلقان حدودهما، فبِهما ما يكفيهما! وليس كما تتناقله الصور المفبركة والأخبار المتسرّعة من تصوير بورما ضحية لتجبّر السلطة، هذه الأخيرة التي تتدخل لفك الاشتباكات ومتابعة المتنازعين قضائياً، كما في أي شغب بدولة أخرى.

تاريخياً، وما نتعلمه بمدارسنا منذ الطفولة، هو تصوير الإسلام كضحية منذ بداياته لحد الساعة.. هناك مرجعية تاريخية تتحدث عن إمكانية أي حضارة متقدمة للتّوسع سياسياً كمبدأ اقتصادي.. في حالة الإسلام، يطلق على العملية من وجهة نظر هوياتية بنشر الإسلام، من وجهة نظر موضوعاتية: هي فتوحات، ومن وجهة استشراقية فالأمر عملية إمبريالية لا تختلف عن سابقاتها ولاحقاتها التاريخية، كمبدأ سياسي واقتصادي عام بالتاريخ الحضاري. تعمّمت الصورة (الخاصة بالضحية) بعد صدمة الانقلاب الأوروبي، وتوسّع الحضارة المسيحية! ظل الإسلام مستهدفاً (مفهومياً) حتى بظل سياسات الأسواق التي تعتمد على الخدمات والإنتاج والأرباح دون التفات لمذهب الشافعي أو آذان الشيعة أو حتى وضعية اليوغا البوذية! ما دامت تلك أموراً هامشية بصناعة الاستهلاك.

عندما تذهب للمعالج النفسي بهدف العلاج، فإن أساس نجاح العلاج يعتمد على إخراجك من دور الضحيّة لتتمكن فكرياً من التغلب على مرضك.. ما علينا من شطحات النفسيين والمطوّرين العصبيين للذات وإخصائيي التغذية وكل من هبّ ودبّ بالعلوم الزائفة. نأتي للمغرب، حيث المثليّ يتعرض للإهانة والصفع والركل والشتم من جانب الغوغاء.. انطلاقاً من ماذا؟ انطلاقاً من مبادئ إسلامية، حيث هؤلاء الغوغاء يعجز الواحد منهم ترتيب أركان الإسلام. طبعاً السلطة ترفض هكذا اندفاعات، حيث إنها تمس بهيبة الدولة! زيادة على أن مقدّسات الدولة ترتكز على كرامة المواطن (جوهر أي دستور).. لا حق لأي شخص أن يمد يده على شخص آخر -أكان مرده في ذلك مبادئ إسلامية أو فرعونية- كرامة المواطن مكفولة بالقانون، والمواطن شريف بكينونته ولا أحد أشرف من أحد بناء على معتقاداته أو كنيته!

المغرب بهويته الإسلامية المنفتحة، وأمام رفع التحفظ فيما يخص الاتفاقات الدولية حول حقوق الإنسان، يجد نوعاً من الحرج فيما يخص بعض التشريعات -مثلا الفصل 489 من القانون الجنائي المجرم للمثلية- لدى اصطدامه بإشكالات اجتماعية.. بذلك يهدف لعملية احتواء فيما يخص الاشتباكات المتعلقة بقضايا كهذه: الاعتداء على المثليين، قد لا ترضي بنتيجتها جميع الأطراف.

بالنسبة لمن يبررون وحشيتهم باستفزاز المثليين: أقول إن الاستفزاز مفهوم فضفاض، قد تستفزني وجوه بعض الناس (افتراضاً) فهل هذا يبرر لي تشويه وجوههم! أما عن انتشار الرذيلة، فأسوأ الرذائل هي التسلط على الآخرين وحشر أنفسنا بميولهم وأفكارهم وحيواتهم، دون أدنى معرفة حتى بالقيم المدافع عنها (فهذه مرجعية الإرهابيين)! العيب على من يدخل بيتك ويحدث به أشياء ضد رغبتك.

العالم ليس ملكاً لأحد لنتصرف على هواه! فهذا يرى العالم من زاوية إسلامية، سيأتي آخر لفرض رؤيته البوذية، وذلك لزاويته المسيحية! والإنسان كائن يمتلك عينين ليرى العالم دون حاجة لنظاراتك الفضائية!

الهوية معطى فردي (فيما يخص هوية دولة فذلك اتفاق تمثيلي جغرافي)، أما المعطى الاجتماعي فهو المواطنة: ما يعني أن هذه الأخيرة تمنع يدك من أن تمس الآخر دون رغبته! والمواطنة تراهن على تعاطفك (إثر شعورك بالظلم الوجداني) مع بورما أو حيوان اللاما أو شبه جزيرة البلقان، لكنها تجرم تحويل عاطفتك لعدوان على من يتبوّل في بحار البلقان أو تعذيب لمن لا يحبّون حيوان اللاما.. إن كانت الفوضى بعقلك، فهي لا تعني العالم!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد