تصريحات تعبر عن واقع

إن أعظم ما تقدمه الديمقراطية للمواطنين هي منح الفرص بالتساوي بينهم دون تفرقة أو عنصرية، وهي التي تفرز من يصلح ليكون في المقدمة بانتخابات نزيهة تتسم بالشفافية والحيادية، حرصاً من الحكومة والشعب على انتقاء من يكون جديراً بخدمة الوطن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/11 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/11 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش

عادة نجد محافظي المدن يكونون قيادات سابقة في الجيش أو الداخلية المصرية، ولأن السويس محافظة لها طابع تاريخي بطولي ومتفرد عبر عقود، ومن خلال حروب وثورات، كان من الطبيعي أن يكون المسؤول عنها رجلاً ذا طابع فريد!

لسنا بصدد تفنيد أوسمة المحافظ، ولسنا بحاجة لعرض أسباب توليه منصبه في فترة حرجة تمر بها مصر، ولكننا لا نقوى على تجاهل تصريحاته التي تعبر عن منظوره في قيادة تلك المحافظة، أو عن أولوياته في مواجهة التحديات التي يعاني منها أبناء محافظته، من محاولة جادة منه لحل مشكلات اقتصادية وأمنية ومعيشية مزمنة للمحافظة، وتذليل العقبات لجعل الحياة كريمة لأبناء تلك المحافظة التاريخية.

لا ننكر خبرته العسكرية التي جعلت منه لواء في سلاح المشاة، ولن نتطرق لحياته العسكرية التي توجتها أوسمة وميداليات تقدير وقيادة فرق جيش ونوط الواجب العسكري الذي يعكس انضباطه الشديد ومدى خبرة وجدارة ذلك الرجل في مجاله السابق، إلى أن وصل إلى محافظ لمدينة مرسى مطروح ومنها محافظ للسويس.

يعنينا عرض تصريحاته، التي تعكس فكره الإداري، ويهمنا جدول أعماله الذي على أساسه يقوم من خلاله بخدمة أهالي محافظته من خلال رئاسته لتلك المحافظة.

كانت أولى تصريحات المحافظ صادمة للمصريين بصفة عامة؛ حيث ذكر أن موقع مصر الاستراتيجي من أفضل المواقع في العالم الذي يحميها من العدو الإسرائيلي، وذلك بسبب الرياح التي تهب على مصر شمالية غربية، وبذلك فإن صواريخ إسرائيل سترتد لإسرائيل إذا ما قذفتها على مصر بتأثير وفعل الرياح!

يجب أن نذكر أن إسرائيل تقع شرق مصر على خارطة العالم.

وقبل أن نترك خارطة العالم كان لا بد أن نذكر تصريح المحافظ بمعلومة يتجاهلها البعض برغم أهميتها وهي أن مصر قد قامت "بحجز مكانها" على خارطة العالم لتطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، الذي وصفه المحافظ "بالبحر الحنين"، حيث فسر قوله إن الجليد الذي يسيل الآن بسبب ارتفاع درجة الحرارة في العالم أدخل في قلوب البلاد الأوروبية الواقعة على المحيط الرعب، وأن المحيط حين يهيج خطر على الأمم، لكننا نطل على بحر حنين!
لا ننكر أنه محافظ نشيط بالرغم من تجاوزه 61 سنة، فقد قام بجولة على مدارس المحافظة، وحضر حصة تدبير منزلي وأثنى على عملية الشرح، في حين يعاني أبناء المحافظة من سوء انتظام العملية التعليمية ككل!

وحتى لا نبتعد عن الأجواء المنزلية يجب ذكر تصريحه الخالد في يوم المرأة العالمي؛ حيث ذكر أن المرأة المصرية مثقفة لأنها اخترعت أكلة "المسقعة" و"البيض بالحمص"، وأن الأم المصرية تحملت الصعاب من أجل التغذية السليمة لأولادها ولذلك يجب تكريمها!

نعم هو محافظ على مستوى التصريحات بحيث تتناغم مع المجتمع والاحتياجات، فقد خرج علينا في أقوى تصريحاته عن كلاب المحافظة، حيث صرح بنيته لتدشين مشروع تصدير الكلاب الضالة "البلدي" المنتشرة في شوارع المحافظة وجني النقد الأجنبي "العملة الصعبة" وحل أزمة الدولار في مصر، معلناً أن 90% من كلاب المحافظة قد تم جمعها في مناطق صحراوية لتجهيزها للتصدير، ولكن "أعدمنا كلب واحد، علشان مجرم"؛ لأنه حاول عض بقية الكلاب، وأنه تم اقتراح وضع السم للكلاب الضالة، لكن الاقتراح قوبل بالرفض من قبل العاملين بحقوق الحيوان، وهناك مقترحات بحقن الكلاب بمادة تسبب عقماً للكلاب أو عملية جراحية تقوم بها الدول الأوروبية لتجعل الكلاب عقيمة، لكن المحافظ رفض تلك المقترحات، ولكنه أصدر أوامره بإعدام الكلب الذي يفكر في أن يكون عدوانياً في المنطقة الجبلية التي تم جمع الكلاب الضالة فيها، للمحافظة على أبناء محافظته!
فكر، عدواني، مجرم، عمن يتحدث؟!

تذكرنا كل تلك التصريحات لمحافظنا المصري، بسبب خبر فوز "صادق خان" (45 عاماً) المسلم الديانة، الباكستاني الأصل، في الانتخابات ليصبح عمدة "محافظ" لندن، لسنا في حاجة لذكر أن "خان" ينحدر من أسرة فقيرة هاجرت لبريطانيا؛ حيث كان يعمل والده سائقاً لحافلات النقل في لندن ووالدته خياطة، وأن العمدة الفائز كان يعمل محامياً وخاض انتخابات 2005 ليحصل على كرسي في مجلس العموم البريطاني؛ ليصبح من مهاجر إلى مشارك في حكم بريطانيا، وبعد ذلك أصبح وزيراً للمواصلات، ثم رشح من قبل حزبه "حزب العمل البريطاني" لكرسي عمدة لندن، في حين كان منافسه محافظ ونجل الملياردير زاك غولد سميث اليهودي الديانة في بريطانيا المسيحية؛ ليكون أول تصريحاته بعد فوزه أنه سيعمل على تحقيق خطة حملته الانتخابية التي تركز على مشاكل ساكني لندن، كالانخفاض الملحوظ في عدد المساكن وارتفاع إيجارات السكن، وقلة فرص العمل، وتحسين وسائل المواصلات، إضافة إلى خفض مستوى الجريمة.

إن أعظم ما تقدمه الديمقراطية للمواطنين هي منح الفرص بالتساوي بينهم دون تفرقة أو عنصرية، وهي التي تفرز من يصلح ليكون في المقدمة بانتخابات نزيهة تتسم بالشفافية والحيادية، حرصاً من الحكومة والشعب على انتقاء من يكون جديراً بخدمة الوطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد