الرأي العام الإلكتروني

هذا الكم الهائل من المعلومات يعتبر كنزاً ضخماً لتلك المواقع، يجعلها قادرة على إيصال إعلاناتها واقتراحاتها المدفوعة الأجر بدقة متناهية إلى الشخص المناسب وفي الوقت المناسب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/11 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/11 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش

أفضى التطور الكبير لتكنولوجيا الإنترنت إلى بزوغ جيل جديد من الويب، يعتمد على الطفرة الكبيرة لسرعة إرسال البيانات، مهما كان حجمها أو نوعيتها. الأمر الذي ساهم في جعل التواصل المستمر والآني أمراً هيناً ومتاحاً للجميع. من هنا بدأ نسج خيوط شبكات التواصل الاجتماعي وتكون مجتمعات افتراضية أصبحت لها الكلمة الفصل في قضايا كثيرة، بل وصارت سوقاً جديداً للفاعلين السياسيين والاقتصاديين، وبدأ الكل يضرب لها ألف حساب.

الجدير بالذكر أن هذه الطفرة الكبيرة للمجتمعات الافتراضية تزامنت مع تحول الخبر الجامد، الذي ألفنا إغلاق ملفه بعيد نشرة الأخبار الرتيبة، إلى قصة خبرية مثيرة ممتدة الأحداث والتفاصيل، تستمد عمرها من السيولة الهائلة للمعلومات والأخبار. ليفقد بذلك الإعلام التقليدي بريقه وتصبح جدران مواقع التواصل مصدراً أساسياً للمعلومة.

يكمن بيت القصيد هنا في القوة المتزايدة وغير المسبوقة لهذه المجتمعات الافتراضية، حيث أصبح لها وزن ثقيل في القضايا المطروحة على طاولة النقاشات الدائرة كل يوم بعالمنا الواقعي. أضحى الرأي الجمعي واتجاهات سكان الفضاءات الإلكترونية مسموعاً بل مدوياً في بعض الأحيان. هذه التوجهات لنظرة سكان العالم الافتراضي هي ما أسميه بالرأي العام الإلكتروني.

ولنبدأ من نقطة أولى قد يعتبرها معظم الناس بسيطة وغير ذات وزن، وهي التعليقات التي تلي كل مقال أو مقطع فيديو أو مجرد صورة. هذه الأداة تتيح للمتابعين الإدلاء بآرائهم وتعقيباتهم، فتجد من يستحسن المقال ومن ينتقده ومن يضيف إليه ومن يشتم صاحبه، وقد تجد صراعاً بين المتابعين والمادحين والشاتمين.

هذه التعليقات تعتبر واحدة من أدوات قياس اتجاهات الرأي العام الإلكتروني وخطورتها لم تغب عن بعض الفاعلين المعنيين بالأخبار المتداولة، وكيف لا ونحن نرى الشركات التجارية مثلاً تجند جحافل من الموظفين همهم الأكبر متابعة تعليقات المستهلكين على أي صغيرة أو كبيرة تتعلق بمنتجاتهم والرد على تعقيباتهم وانتقاداتهم وهم متخفون خلف بروفايلات عملاء بسطاء.

من الأدوات البسيطة كذلك لقياس توجهات الرأي العام الافتراضي، تبرز أزرار الإعجاب والمشاركة، والتي ما فتئت تتطور إلى أن أضيف إليها أزرار عدم الإعجاب والغضب والإعجاب الشديد كما فعل فيسبوك مؤخراً. كل هذه الأيقونات هدفها سبر أغوار اتجاهات الرأي العام للمجتمعات الافتراضية وتحديدها بشكل أوضح لغايات في معظمها تجارية. فيكفي أن تلقي نظرة على ذيل أي منتوج افتراضي مقالاً كان أم خبراً ام مقطعاً مصوراً، ستجد لا محالة تعليقات ومشاركات للمتابعين، مفصلة بعدد المعجبين والغاضبين وعدد المعلقين.

كل ما سبق ذكره لا يعدو أن يكون أدوات بسيطة ومتاحة للجميع كي يتعرف إلى الآراء والتوجهات العامة للمجتمعات الافتراضية. لكن ما خفي كان أعظم من كل هذا، فمعظم المواقع الاجتماعية تملك إحصائيات ضخمة ومفصلة ومحينة عن كل روادها ومشتركيها وجرداً دقيقاً لكل سكناتهم وحركاتهم على مدار الساعة.

هذا الكم الهائل من المعلومات يعتبر كنزاً ضخماً لتلك المواقع، يجعلها قادرة على إيصال إعلاناتها واقتراحاتها المدفوعة الأجر بدقة متناهية إلى الشخص المناسب وفي الوقت المناسب. فلا تستغرب إن لاحظت أن الإعلانات التي تعتلي صفحتك على موقعك الاجتماعي تخاطب احتياجاتك، وكأن شخصاً ما يقرأ ما يدور بذهنك ويجيبك في الحين.

إن دراسة وسبر الرأي العام الإلكتروني، أنتج لنا تخصصاً علمياً جديداً يندرج تحت لواء علم تدبير المنظمات، ويدرس في بعض الجامعات الغربية تحت مسمى "سوسيولوجيا مجتمعات التواصل". فكل شخص أو بروفايل على مواقع التواصل يعتبر عقدة داخل شبكة مرتبطة عبر علاقات الصداقة. شكل الشبكة يختلف من شخص لآخر حسب تأثيره ونفوذه داخل المجتمع الافتراضي. وبعض المواقع الاجتماعية تعتمد على حساب نسبة التأثير بطريقة رياضية، تجعل من شبكة علاقات كل فرد دائرة لها قطر ممتد بحسب عدد الأشخاص الملتفين حوله، وبالتالي أمكن لها تحديد قوة تأثير كل فرد من خلال قياس قطر دائرة نفوذه.

لقد صار الرأي العام الإلكتروني قوة هائلة يضرب لها ألف حساب، حتى أن الجميع أصبح يعي تأثيره الكبير، فأصبحت أبسط القضايا تصل إلى مرمى المجتمعات الافتراضية، فتتقاذفها جدران مواقع التواصل ككرة ثلج إلى أن تصبح قضية رأي عام كبيرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد