تحكم الأسرة العلوية المغرب منذ العام 1666م، وينحدر منها الملك الحالي محمد السادس، وكانت بلاد المغرب الكبير تشمل أرض المغرب، وغرب الجزائر، والصحراء الغربية، وأجزاء من مالي، وموريتانيا وتنتهي حدودها جنوباً بمحاذاة نهر السنغال، والحدود الحالية بين هذه الدول أقامها الاستعمار الذي فرض على المغرب نوعاً من الحماية واقتطع منه أراضي كانت تحت سيادة سلطانه أو على الأقل كانت مواليه له خاصة في المناطق الصحراوية التي تعيش فيها القبائل، وجعل أراضيه تحت سيطرة فرنسا وإسبانيا، بحسب ما تقرر في مؤتمر الجزيرة الخضراء (أبريل 1906) وبالتالي قطع الاستعمار صلة الدولة المغربية بالصحراء الغربية، وما إن استقلت المغرب عن فرنسا عام 1956م حتى بدأت الكفاح المسلح والسياسي لاستعادة ما فقدته بسبب الاستعمار، خاصة الأراضي التي لا تزال تحتلها إسبانيا.
وقفت الدول المعنية بنزاع الصحراء الغربية مواقف مختلفة منه، فأعلنت إسبانيا أنها مهتمة بالنزاع، وتؤيد الوصول إلى حل متوافق بشأنه بين جميع الأطراف، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، وتنظر الدولة المغربية إلى الصحراء الغربية على أنها جزء من أراضيها، كان الاستعمار الأوروبي قد اقتطعه منها وهي قضية تصفية استعمار، وتقول الجزائر بأنها ليست معنية بهذا النزاع وبأنه ليست لها أية أطماع في الصحراء الغربية، وإن قضية الصحراء الغربية هي قضية تقرير مصير شعب يجب أن تُحل على مستوى الأمم المتحدة، أما موريتانيا فأعلنت أن لسكان الصحراء الغربية نفس التقاليد والعادات التي لدى الشعب الموريتاني.. وعلى هذا الأساس طالبت بالجزء الجنوبي من الصحراء الغربية (إقليم الداخلة)، ثم ما لبثت أن تراجعت عن مطلبها في هذا الإقليم لفائدة المغرب، وفي سنة 1979 تم توقيع اتفاق سلام بين جمهورية موريتانيا الإسلامية و(الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية) والذي بموجبه تخلت موريتانيا بصفة نهائية عن مطالبتها بجزء من الصحراء الغربية نتيجة استنزاف الصراع المسلح لمواردها.
وتمثل المغرب الطرف الثابت في صراع الصحراء الغربية، واستمرت تطالب بالسيادة على الصحراء الغربية منذ الخمسينيات عند اقتراب عصر الاستعمار من التصفية، وبدأت في ذلك من خلال الكفاح الثقافي والمسلح الذي قاده حزب الاستقلال المؤيد للسلطة الملكية المغربية والمُطالب بعودة المغرب الكبير حتى نهر السنغال بما فيه الصحراء الغربية، وتعاونت بعض القبائل الصحراوية الموالية للمغرب في المقاومة ضد الاستعمار، وتخلت إسبانيا عن "طرفاية" للمغرب في إبريل عام 1958م، واستمرت تستعمر باقي الأراضي جنوباً، ثم تخلت عن "إيفني" عام 1969 وكان لقيمة بعض المناطق الاقتصادية والإستراتيجية ما أغرى إسبانيا في البقاء أطول زمن ممكن فأخذت تشجع على قيام شخصية محلية للصحراء متباينة مع المغرب وأسست مجلساً محلياً لإدارة الإقليم.
كانت المغرب ترمي بكل ثقلها لاستعادة الصحراء الغربية، مما اضطرها للسكوت عن منطقتي "سبتة" و"مليلية" في الشمال، اللتين تقبض عليهما إسبانيا بقوة وترفض حتى التفاوض من أجلهما.
وقد سارت الأحداث بعكس ما يرومه المغرب، فقد كان لقيام حرب الرمال بين الجزائر والمغرب عام 1963م على حدود البلدين الموروثة من الاستعمار الفرنسي أثره اللاحق على موقف الجزائر القوي من الصحراء، ففي عام 1973م تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة بـ"البوليساريو"، التي لاقت دعماً سخياً من الجزائر الرافضة للسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وكان لصراع اليسار واليمين في فترة الحرب الباردة، أثره على قضية الصحراء، فالجزائر جزء من اليسار المطالب بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتتوافق معه منظمة الوحدة الإفريقية التي كانت معظم دولها قد واجهت الاستعمار وتحررت فاعترفت بجبهة البوليساريو ودولته "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" وقبلت تلك الدولة كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية، مما أغضب المغرب فانسحبت من المنظمة الإفريقية، وقد اعترفت بالجمهورية الصحراوية العديد من الدول، وأدت تلك التطورات لحلول طرف مكان آخر في النزاع، فبعد أن كان أطرافه المغرب وإسبانيا وأحياناً موريتانيا، أصبح في منتصف السبعينيات بين المغرب وجبهة البوليساريو، ومن وراء ستار الجزائر الداعمة سياسياً ولوجستيا للجبهة، كما تحول موضوع النزاع من تصفية استعمار إلى تقرير مصير.
وقد انعكست الأحداث الداخلية للمغرب، المتمثلة في محاولتي الانقلاب الفاشلتين عامي 1971 و1972م، اللتين قام بهما الجيش ضد الملك ونجا منها بأعجوبة، وما تبع ذلك من قمع داخلي للمتهمين فيهما والمعارضين، بالإيجاب على جبهة البوليساريو، حيث وجدت تأييداً من المعارضين للسياسة الداخلية للسلطة الحاكمة في المغرب، وأضعفت من تعاطف بعض من أهل الجنوب المغربي (الصحراء) مع سلطة الحكم الملكي في الشمال.
ومثّلت قضية الصحراء رمزية للتاريخ والسيادة المغربيين، ليس فقط للحكومة والملك، بل حتى للمعارضة المغربية، ففي إحدى البرامج التلفزيونية سأل مذيع جزائري ضابطاً مغربياً معارضاً عن موقفه من قضية الصحراء الغربية، ويبدو أن المذيع اعتقد أن ذلك الضابط المعارض للملكية في المغرب سيتحدث عن القضية برأي يخالف وجهة نظر السلطة الملكية في المغرب، وإذا بالمعارض المغربي يشن هجوماً عنيفاً على جبهة البوليساريو، ويتهمها بأنها صنيعة المخابرات الجزائرية، ويعلن بأن الصحراء ليست غربية بل مغربية.
وبمضي كل تلك العقود من الزمن، تبدلت مقاعد المتصارعين على الصحراء الغربية، باستثناء المقعد المغربي الذي ضل دافئاً مشغولاً بعضوية الدولة المغربية منذ مرحلة ما قبل الاستعمار وبعدها، وحتى اليوم يحافظ الكيان المغربي سلطة وشعباً ومعارضة على دفء المقعد، فهل سيجد ذلك المقعد فرصة ليبرد؟ كل المؤشرات تدل على نفس طويل وجدية في استعادة الصحراء، ومن تلك المؤشرات أن المواطن المغربي العادي لا يترك أي موضوع مكتوب أو مقطع فيديو عن الصحراء الغربية إلا ويعلق عليه معلناً مغربية الصحراء وتمسكه بالسيادة عليها.
والزمن لصالح المغرب صاحب العلاقات الدولية المتطورة أكثر منه لصالح جبهة البوليساريو التي قد يُضحى بها في صفقة ما في المستقبل، وإذ فوت المغرب فرصاً في الماضي لإعلان سيادته على الصحراء، فعليه أن يستغل علاقاته الدولية وخطيئة الأمين العام للأمم المتحدة الرمزية عندما أسمى سيطرة المغرب على الصحراء بالاحتلال، وهذا هو التجاوز الثاني من قبل الأمم المتحدة في قضية الصحراء، حيث إن محكمة العدل الدولية، الذراع القضائية للمجتمع الدولي، أجابت عن سؤال لم يطرح عليها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي متحدثة عن حق تقرير المصير، على الرغم من أن قضية الصحراء نشأت كقضية تصفية استعمار، لولا انحراف مسار القضية الذي ساهم به الجزائر وإسبانيا من خلال تشجيع ظهور مجتمع مغاربي جديد عرف لاحقاً بالمجتمع الصحراوي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.