الذين شاهدوا الفيلم الهندي الشهير "اسمي خان ولست إرهابياً" سيفهمون مغزى بداية كلمة عمدة لندن المسلم الجديد صادق خان عند إلقائه القسم الرسمي لتوليه منصبه الجديد.
إذ وقف خان أمام الحضور قائلاً: اسمي خان وأنا عمدة لندن الجديد. كانت إشارة ذات مغزى واستلهاماً لقصة الفيلم الذي يصوّر فتىً هندياً مصاباً بالتوحّد يذهب لشقيقه في الولايات المتحدة وتقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر ويقوم بحملة للقاء الرئيس الأميركي ليقول له إن المسلمين ليسوا إرهابيين.
ركّز خان في كلمته على فكرة الأمل مقابل الخوف والوحدة في مقابل الانقسام والاستقطاب.
ومن التقاليد الانتخابية في البلاد أن يقف كل المرشحين على منصة واحدة لحظة إعلان النتيجة ويهنّئوا الفائز قبل أن يتقدّم ليلقي كلمة قصيرة وهم واقفون خلفه.
كاد المشهد أن يمرّ بشكلٍ طبيعي أمام عشرات وكالات الأنباء والقنوات لولا أن بول غولدينغ أحد المرشحين للمنصب عن حزب "بريطانيا أولاً" اليميني المتطرف أعطى ظهره لخان وللحضور اعتراضاً منه على اختيار خان لهذا المنصب. وهو تصرفٌ عنصري لاقى استنكاراً كبيراً.
وقد استقبلت الجالية المسلمة في بريطانيا فوز خان بترحيبٍ كبير وأصدر مجلس مسلمي بريطانيا بيان تهنئة بهذه المناسبة. وقال الأمين العام للمجلس شجاعة شافي إن النصر الذي أحرزه خان يعطي أملاً كبيراً لشباب الأقليات في أن يجدوا مكاناً في عالم السياسة القاسي.
وانتقد شافي في بيانه الحملة التي شنّت ضد خان في إطار المنافسة الانتخابية، لكنه أضاف أنهم على دراية بأن هناك أصواتاً عديدة لمسلمين ذهبت إلى مرشّح المحافظين المنافس زاك غولدسميث بسبب انخراطه مع أبناء دائرته الانتخابية المسلمين في أنشطة عدة. ويأتي هذا التصريح الأخير من مجلس مسلمي بريطانيا ربما في إطار أخذ مسافة واحدة من المرشحين السياسيين بشكل عام في الانتخابات وليس فقط صادق خان لكونه مسلماً. وذلك بعد أن تعرض المجلس لعدة مشاكل في وقت سابق حين تم حسابه سياسياً على حزب العمال بوصف سياساته الأقرب لمصالح المسلمين ودعم قطاعٍ كبير من الجالية المسلمة لمرشحيه في فترة من الفترات وواجه المجلس مشكلات بسبب ذلك حين أتى المحافظون للسلطة.
خان لا يصلح!
ويأتي أداء العمدة الجديد لليمين وسط انتقادات داخل حزب المحافظين للطريقة التي تمّت بها إدارة الحملة الانتخابية لمنافسه زاك غولدسميث والهجوم الشرس غير المعهود على صادق خان واستخدام دينه بشكلٍ سيئ في المعركة.
فقد أعرب روجر إيفانز، نائب عمدة لندن السابق بوريس جونسون من حزب المحافظين، عن قلقه من أن هذه الحملة قد تركت أثراً سلبياً سيبقى لفترة وعليهم العمل على إزالته.
كما اتهمت البارونة سعيدة وارسي عضو مجلس اللوردات عن حزب المحافظين والوزيرة السابقة، حملة غولدسميث بأنها وراء إخفاق مرشّح المحافظين بسبب المستوى الذي وصلت إليه في الطعن في المرشح المنافس.
وأضافت إنها لم تدمر فرصة غولدسميث في الفوز فقط ولكن أفقدت الحزب سمعته ومصداقيته في القضايا المتعلقة بالدين والأقليات.
أما الكاتب المعروف بيتر أوبورن بصحيفة الديلي ميل اليمينية والمؤيد لحزب المحافظين فقد أعلن صراحةً أنه مؤيد لصادق خان في مواجهة الاتهامات التي تعزز من الصورة النمطية عن المسلمين التي انزلق إليها رموز حزب المحافظين ومنهم وزير الدفاع الحالي مايكل فالون الذي قال إن خان لا يصلح للمنصب لأن للعمدة دوراً مهماً في العلاقة مع الشرطة والقوات المسلحة في إطار مكافحة الإرهاب وأن له صلات مع متشددين.
للدين دوره
وبخلاف الاعتقاد الذي ساد بعد نشر خبر فوز خان، فإن الدين يلعب دوراً مهماً في هذه اللعبة السياسية، ليس لكون الدين معياراً وحيداً لتصويت اللندنيين ولكنه كان حاضراً وبقوّة في الحملة الانتخابية على مستويين.
أحدهما متعلق بطريقة تقديم خان نفسه كمسلم فاهم للإسلام وقادر على محاربة المتشددين، ومضى للقول بأن انتخابه سيعطي صورة مغايرة للتي يريدها المتشددون عن الغرب.
أما المستوى الثاني فيتعلق بالهجوم الضاري عليه من قبل خصومه في حزب المحافظين ومحاولات ربطه بدعم الإرهابيين بأية صورة وتصويره كشخص متطرف، وشاركهم في هذا الصحف ذات التوجهات اليمينية.
ويلقى فوز خان ترحيباً أيضاً في أوساط الأقليات الآسيوية والأفريقية في لندن وبريطانيا بشكل عام. إذ إن التعريف الديني له كمسلم هو أحد دوائر انتمائه ولكنه ليس الوحيد، فالانتماء لجالية كبيرة من الهند وباكستان وبنغلاديش والعديد من الدول الأفريقية كأوغندا وملاوي التي تعيش في بريطانيا يشكّل هوية إضافية للعمدة الجديد. ويرى فيه كل هؤلاء انتصاراً لهم بعد أن وصل شخصٌ ملون ابن لمهاجر لهذا المنصب، بعد سنين طوال عاشوها كأقلية تعاني التهميش السياسي والاقتصادي.