كانت المنطقة الخضراء في بغداد منطقة محظور دخولها على كافة العراقيين على مدار 13 عاماً؛ حيث كانت بمثابة قلعة حصينة لإدارة الاحتلال الأميركي للعراق ومن بعدها النخب الحاكمة ، فكانت هذه القلعة من نصيب من يفوز بسباق السلطة في البلاد، كما كانت مكاناً أتاح للقادة غير المسؤولين الحصول على مصادر التمويل.
حدث كل ذلك خلف الجدران والحواجز التي أضفت على المنطقة الواقعة شمالي نهر دجلة غموضاً شديداً، حيث كانت سلطة الدولة تتمركز بالمنطقة الخضراء، حتى في ظل حكم صدام حسين الذي اغتصب الجيش الأميركي قصوره التي آلت بعد ذلك إلى الزعماء العراقيين ولكن الأمر لم يعد كذلك، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الأحد 1 مايو/أيار 2016.
ففي إحدى الأمسيات، انكشف ضعف السيطرة على الدولة على قلعتها الحصينة في مواجهة قوى الشارع – من خلال رجل دين كان يعارض القيادة العراقية على مدار العديد من الشهور، حيث خرج آلافٌ من الرجال تحت قيادة مقتدى الصدر مروراً بالجنود الذين لم يكن لديهم الرغبة في مواجهتهم، ثم قاموا بنهب البرلمان والاعتداء على كل من يجدونه من أعضائه غير التابعين للصدر.
مجلس وزراء فاسد
وكان المجلس التشريعي قد رفض لثلاث مرات الموافقة على الإصلاحات التي تستهدف استبدال مجلس الوزراء الذي يوصف بأنه فاسد، بحكومة من التكنوقراط الذين يستطيعون إدخال تعديلات جوهرية دون النظر إلى أي اعتبارات سياسية أو شخصية.
ومن خلال المشاهد الفوضوية التي وقعت الأسبوع الماضي حينما قام أعضاء البرلمان بمطاردة رئيس الوزراء حيدر العبادي مصرين على بقاء الحال على ما هو عليه، يمكن القول أنه لن يحدث أي تغيير.
أدت تلك المواجهة إلى تشعب الأزمة التي تواجهها العراق على عدة مستويات. فربما يؤدي انهيار عائدات النفط إلى عدم القدرة على سداد رواتب العاملين بالقطاع العام خلال العام المقبل؛ وهو السيناريو الذي أثار قضية الفساد الإداري وسوء الحوكمة.
الانقسامات الطائفية التي أصبحت أكثر وضوحاً داخل النظام السياسي، أدت إلى الإضرار بقدرة الدولة على مواجهة الخطر الثاني المتمثل في ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) – الذي أعلن مسؤوليته عن التفجير الذي أودى بحياة 31 شخصاً على الأقل في مدينة السماوه الواقعة جنوبي العراق يوم الأحد.
وبدون الدور الهائل الذي اضطلعت به الأطراف غير الحكومية مثل مليشيات الشيعة وإيران والضربات الجوية الأميركية، فلربما كان تنظيم داعش قد سيطر على بغداد، مثلما فعل في أربع مدن أخرى، وهي الموصل وتكريت والرمادي والفلوجة.
ولم تتمكن الدولة عند كل منعطف على مدار السنوات الخمس الماضية بصفة خاصة من التصدي بمفردها وتحمل أعباء مسؤولياتها.
وتتمثل القضية الحالية في قدرة العراق على الصمود في ظل الوضع الحالي، وفقاً لما يراه كل من مخططي الحروب، عكس رؤى المحافظين الجدد عام 2002، الذين كانوا يرون أن الغزو الأميركي سوف يحقق لهم ديمقراطية شمولية، وكذلك هؤلاء الذين أسسوا الدولة الحديثة منذ نحو 95 عاماً من خلال توحيد صفوف الجماعات المتفرقة تحت شعار الدولة.
السيستاني يتخوف
فلأول مرة منذ 13 عاماً حينما منح الغزو الأميركي السلطة للأغلبية الشيعية على حساب الأقلية السنية، يبدأ المسؤولون في التحدث صراحة عن دولة المستقبل التي لا تخضع لنفس الحدود أو النظام السياسي. فقد كان التقسيم موضوعاً يُحظر الحديث عنه بين النخبة السياسية بالبلاد، حتى خلال أسوأ الحروب الطائفية بدءاً من 2006-2007 وحتى الشهور الأولى لاعتداءات تنظيم داعش عام 2014.
ومع ذلك، ففي العام الماضي، ذكر المرجع الشيعي على السيستاني الذي يمثل أعلى سلطة دينية لدى الشيعة في العراق، أن مثل هذه النتيجة محتملة الوقوع في حالة عدم إجراء الإصلاحات. وكان السيستاني الذي لم ينغمس في عالم السياسة على مدار حياته يحث العبادي على إجراء تلك التعديلات.
ويذكر المقربون من السيستاني أن رجل الدين البالغ من العمر 87 عاماً، يرى الأزمة بمثابة فرصة أخيرة لبقاء الدولة الحديثة وبقاء الوطنيين الذين يسعون للحفاظ عليها. وهناك مخاوف متزايدة في أنحاء إدارة الدولة ببغداد من أن تكون استعادة الوحدة أمراً صعب المنال. فالعراق الآن لا يمكن إخضاعه للسيطرة، حيث تسيطر المصالح الراسخة على الإصلاحيين وتسيطر المليشيات على مؤسسات الدولة.
وتتمثل المخاوف الأكبر فيما يعنيه كل ذلك للإقليم. ويتعين على العراق وكل حلفائها وخصومها الآن النظر فيما إذا كان التظاهر بنجاح الأمر يعدّ خياراً أفضل من إقرار الإخفاق.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.