"بعد 30 ساعة عمل بين الأنقاض استطعنا إنقاذ طفل عمره عام"، بهذه العبارة نفض بيبرس مشعل، مدير فوج الدفاع المدني، تعب الأعمال الشاقة بين الأنقاض بعد الغارة التي استهدفت منطقة السكري، ويضيف: "كانت معجزة إلهية جعلتنا ننسى كلّ ما مررنا به من إرهاق عمل مستمر".
فما إن يسمعوا هدير الطائرات التي تحوم في السماء إلا وتبدأ حالة الاستنفار، خاصة لدى فريق الدفاع المدني، الذين ألقي على عاتقهم مهمة إنقاذ الأهالي بين ركام القصف.
مشعل يضيف لـ"عربي بوست" أن "كل الصور ومقاطع الفيديو التي خرجت عن الوضع في حلب لا تعبّر عن الواقع القاسي، ما نعيشه كل يوم وما يجري في المدينة بشع، ومن الصعب وصفه".
يتابع مشعل المنهك من أعمال الإنقاذ بملابسه السوداء المحترقة من نيران الحرائق التي خلفها القصف: "أصوات الصراخ من كلّ مكان امتزجت فيها بين من يودع قريباً منه أو يتأوّه من آلام الجراح وبين من يبحث عن مفقودين بين الركام".
ويضيف: "المواقف صعبة جداً، أحياناً تضرب طائرتان في الوقت نفسه، وما إن تنفذ أي غارة نتوجه فوراً إلى مكان الغارة، والخطر أن يستهدف المكان نفسه مرة أخرى، هدفنا أن ننقل الجرحى إلى المشافي بأسرع وقت ممكن".
ولا تقف صعوبة عملهم عند هذا الحد، بل الصعوبة عندما تنفذ طائرات النظام قرابة 5 غارات في الوقت نفسه، يقوم حينها بيبرس بتوزيع الفريق على أماكن الغارات.
حتى هذه اللحظة كل فرق الدفاع المدني استطاعت تغطية الضربات، فـ"إصرارهم وعزيمتهم وقوتهم هو سبب نجاحنا"، يقول مشعل.
الدفاع المدني في حلب كان قد أعلن أن عدد الغارات وصل إلى 260 غارة جوية، و110 قذائف مدفعية، و18 صاروخ أرض أرض خلال 8 أيام.
جولة في المدينة المنكوبة
لم يكن المشهد مثل سابقيه في السنوات الخمس الماضية، فهو قصف من نوع جديد جعل مدينة حلب وسكانها بين دخان القصف وغبار الركام، العيون معلقة إلى السماء بانتظار نصيبها من البراميل والصواريخ.
الرعب يبدأ كما يقول عبد الرزاق الزقزوق من الساعة 7 صباحاً حتى الثالثة عصراً، مضيفاً لـ"عربي بوست" لقد بتنا نخشى كل شيء حتى زيارة جرحانا في المشافي خوفا من القصف، وما أن نسمع هدير الطائرة حتى نهرب إلى القبو عله يخفف من ضرر القصف مع العلم أن البناء قد يهبط فوق رؤوسنا ونموت، لكن قد يكون الموت بهذه الطريقة أسهل".
المدينة اليوم تعيش من دون كهرباء ولا ماء منذ بداية القصف الجوي، محلات الخضار والفواكه والبنزين أغلقت أبوابها ليعيش مَنْ بقي من الأهالي على بقايا مؤن.
"من أين نأكل؟"، لسان حال الأهالي الذين ودّعوا آخر فرن للخبز في حي العامرية الذي دمرته أيضاً براميل النظام السوري.
محمد سعيد من سكان بستان القصر بحلب يقول لـ"عربي بوست" إن "الوضع مأساوي فوق التصور، الأسواق فارغة، لا خضار ولا خبز، المواصلات متوقفة، ولا محروقات، الحياة مأساوية بشكل كامل فقررت النزوح مع عائلتي".
المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة يعيش فيها قرابة 350 ألف شخصاً لم تخلو سماءها الأسبوع الماضي من طائرات النظام السوري والروسي أكثر 230 شخصاً قضوا بين تحت ركام القصف.
حركة نزوح كبيرة من المدينة إلى ريف إدلب فلا مكان آمن فيها، وأما من اختار البقاء هرع إلى الملاجئ علّها تحميهم من القصف.
عاجزون!!
"لم يكن قد التأم جرحنا بعد" يقول المدير التنفيذي لمشفى القدس الدكتور حمزة الخطيب "وقف من تبقى من الكادر الطبي عاجزاً أمام مشهد الجرحى والقتلى فبعد أن انقصف المشفى شعرنا بالعجز لا معدات بين أيدينا ننقذ الجرحى".
فموجة القصف العنيف على المدينة بدأت باستهداف مشفى القدس الذي ودّع آخر طبيب أطفال في المدينة ودمّر جزءاً كبيراً من المشفى والجزء الأكبر من معداته.
ويضيف الخطيب لـ"عربي بوست" أن "حملة القصف هذه هي ليست الأولى على المدينة ففي عام 2014 تعرضت لقصف عنيف لكنه لم يستهدف المشافي والمستوصفات وتجمعات السكان مثل هذه الحملة".
الخطيب وبعد خسارة المشفى قدرته على استقبال الجرحى، قرر مع من تبقى من الكادر الطبي مساعدة المشافي الأخرى التي تتلقى يومياً ما لا يقل عن 100 إصابة يومياً وتجري كل منها على حدا بين 10 إلى 15 عمل جراحي على حدّ قوله.
الدكتور الحلبي اختار مع من تبقى من الكادر الطبي المساهمة بسيارات الإسعاف وانضمام كوادره مع كوادر المشافي الأخرى.
لم يكن خيار الحلبي وحده البقاء في المدينة فعلى حدّ قوله اختار عدد كبير من الحلبيين ترحيل عائلاتهم إلى مناطق مختلفة من ريف إدلب وعادوا إليها للدفاع عنها.
أبو محمد وهو من سكان صلاح الدين اختار أن يوضب مع عائلته الحقيبة وينزح بهم إلى الأرياف يقول أبو محمد لـ"عربي بوست" إن "الأطفال هنا لم يعد باستطاعتهم تحمّل رعب هدير الطائرات فنحن الكبار لم تعد بطاقتنا احتمالها فما بالكم بهم؟ خسرنا منازلنا والملاجئ نخاف على أرواح من تبقى من أحبائنا في خضم الحرب الشرسة التي نعيشها".