التقارب الخليجي – المغربي الجديد.. مصالح أم مخاوف؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/01 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/01 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش

جاءت القمة المغربية الخليجية الأخيرة تجسيداً لمجموعة من المصالح والمخاوف المشتركة فرضتها تداعيات انتفاضات "الربيع العربي" على هذا التحالف الاستراتيجي القديم-الجديد وحالة الفوضى التي تشهدها المنطقة، كما بدا واضحاً بحث المغرب عن تنويع دائرة شركائه وتوسيعها.

ويرى محللون أن القمة التي عُقدت بالرياض، في 20 أبريل/نيسان، جاءت في ظل تنامي التهديدات التي تواجه المنطقة العربية خاصة على المستوى الأمني وفي ظل تحالفات جديدة في المنطقة على رأسها التقارب الإيراني الأميركي.

الخطاب الأكثر جرأة

وألقى العاهل المغربي محمد السادس خطاباً في هذه القمة وصفه المحللون بالتاريخي والخطاب "الأكثر جرأة" منذ تولي الحكم في 1999.

وقال المحلل السياسي المغربي عبدالرحيم منار اسليمي إن "دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بتحالف جديد قادم من الولايات المتحدة الأميركية وإيران، يسلم فيه الأميركيون وظيفة "الشرطي الإقليمي" لإيران بعد توالي تصريحات أوباما التي يبدو أنها باتت عقيدة للدولة العميقة في أميركا وليست مرتبطة بفترة أوباما".

وأضاف اسليمي لرويترز: "مقابل ذلك يشعر المغرب بضغط البريطانيين والأميركيين عبر قناة الأمين العام للأمم المتحدة لتغيير إطار نزاع الصحراء الذي يقدم فيه المغرب منذ سنة 2007 مقترح الحكم الذاتي".

وتابع أن مصالح المغرب والخليج "كمجموعة دول ظلت مستقرة تلتقي في نقطة إيجاد تكتل استراتيجي جديد يحد من المخاطر القادمة من بوابات التوتر في سوريا والعراق واليمن وليبيا والإرهاب والانفصال، ويقلص مخاطر مشاريع التقسيم والتفكيك الجارية في العالم العربي".

واندلعت أزمة غير مسبوقة بين المغرب والأمم المتحدة – رغم أن المغرب يقول إن مشكلته مع الأمين العام بان كي مون وليس المنظمة الدولية في حد ذاتها – حين استعمل الأمين العام عند زيارته لمخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية التي تضم لاجئين صحروايين كلمة احتلال لوصف ضم المغرب الصحراء إليه في عام 1975 عقب انسحاب الاستعمار الإسباني منها.

ويعتبر المغرب الصحراء جزءاً لا يتجزأ من أراضيه وله فيها حقوق تاريخية وأنه استرجعها من الاستعمار الإسباني، في حين تطالب جبهة البوليساريو بانفصال الإقليم عن المغرب.
وقام المغرب إثر تفاعلات الأزمة مع الأمين العام للأمم المتحدة الشهر الماضي بطرد بعثة حفظ السلام في الصحراء الغربية المعروفة اختصاراً باسم "المينورسو"، وصوت مجلس الأمن أول أمس الجمعة بصعوبة على قرار تمديد مهمة البعثة لمدة عام.

كما طالب مجلس الأمن بأن تستعيد البعثة سريعاً كامل وظائفها، ولم يحدد القرار أي إجراءات عقابية ضد المغرب إذا ظل عدد موظفي البعثة منخفضاً.

واعتبر المغرب أمس السبت القرار "انتكاسة لكل القرارات الأممية السابقة"، رافضاً في نفس الوقت أن يشمل القرار توسيع مهمة البعثة لمراقبة وضع حقوق الإنسان في الصحراء لأن ذلك "يتنافى مع الغاية" من البعثة.

وفي هذا الإطار يأتي التقارب المغربي الخليجي ومحاولات تطويره ليشمل ليس فقط المساعدات والدعم الاقتصادي.

وقال العاهل المغربي محمد السادس في خطابه أمام القمة المغربية الخليجية إن "المخططات العدوانية التي تستهدف المسّ باستقرارنا متواصلة ولن تتوقف، فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي ها هي اليوم تستهدف غربه آخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب".

وركز العاهل المغربي في خطابه على قضية الصحراء قائلاً إن "خصوم المغرب يحاولون إما نزع الشرعية عن تواجد المغرب في صحرائه أو تعزيز خيار الاستقلال وأطروحة الانفصال أو إضعاف مبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها".

وأكد المغرب أكثر من مرة أنه لا يمكن أن يقدم أكثر من مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للأقاليم الصحرواية.

لكن جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر رفضتا هذه المبادرة وتطالبان بالاستقلال التام عن المغرب.

تحالفات جديدة

وأشار العاهل المغربي إلى "تحالفات جديدة قد تؤدي إلى التفرقة وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة وهي في الحقيقة محاولات لإشعال الفتنة وخلق فوضى جديدة لن تستثني أي بلد وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة بل على الوضع العالمي".

كما أكد اتجاه المغرب إلى تنويع "شراكاته سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي"، مشيراً إلى زيارته الشهر الماضي إلى روسيا وزيارته المرتقبة إلى كل من الهند والصين.

وجاء في البيان الختامي للقمة أن "قضية الصحراء المغربية هي قضية دول مجلس التعاون الخليجي".

وقال المحلل السياسي محمد بودن معلقاً على الخطاب الملكي في القمة الخليجية المغربية إنه "أقوى خطاب موجه للخارج في عهد الملك محمد السادس، حيث إن مضامين الخطاب تضمنت رسائل ذات بعد ماكرو-استراتيجي وإبراز بين لشخصية المغرب".

وأشار بودن إلى أن الشراكة المغربية الخليجية ترتكز على العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والبعد الثقافي.

واعتبر المحلل أن "موقف دول الخليج من قضية الصحراء المغربية هو جزء كبير من التطابق بشأن مجمل الأزمات بين الطرفين بما فيها ما يحصل على مقربة من خطوط التماس الحدودية لدول الخليج والسياسات التوسعية لإيران في إطار تنفيذ مشروع الفوضى الإقليمية علاوة على ما يتهدد الدول العربية من مخاطر مرتبطة بالرؤية الغربية الأمريكية وتنزيل نظرية الفوضى الخلاقة".

أما عن "القيمة المضافة لهذا الحدث فإنه أولاً لحظة تاريخية في تاريخ العلاقات بين الطرفين، وثانياً ركيزة مؤسساتية نادرة في دائرة عربية مشتتة ومضطربة".

كما أشار محللون إلى أن المغرب يبحث عن شراكات أقوى وأكثر فعالية من إطارات باتت "فاقدة لكثير من المصداقية" كما هو الشأن بالنسبة لجامعة الدول العربية.

وكان المغرب قد رفض منذ أكثر من شهر استضافة القمة العربية "بسبب انعدام فرص نجاحها.. وعدم استجابتها لتطلعات الشعوب العربية.. وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي".

وقال محمد بن حمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إن المرحلة العربية الراهنة "خطيرة ودقيقة في غياب نظام إقليمي عربي وغياب جامعة الدول العربية وفي غياب أي نظام إقليمي يمكن أن يساعد على الخروج من هذه الأزمات".

وأضاف لرويترز: "جاءت القمة المغربية الخليجية لتدخل مرحلة جديدة تشكل صرخة الحقيقة والغضب لتوقظ ما تبقى لدى بعض القادة العرب من إخراج مسرحية جامعة الدول العربية".

وقارن محللون بين وضع العالم العربي اليوم ووضعه في نهاية القرن التاسع عشر عندما كان تحوم حوله الأطماع الاستعمارية وأخطار التقسيم التي تتربص به اليوم.

وقال الباحث والمحلل المغربي أحمد نور الدين في مقال نشره على جريدة "هيسبريس" الورقية: "تم توظيف الورقة القومية والثورة العربية، على وجاهة ونبل مقاصدها، لتفكيك الإمبراطورية العثمانية وتوزيع تركة الرجل المريض، يتم اليوم استعمال ثورات الربيع العربي والورقة الإيرانية الطائفية لضرب أمن واستقرار الدول العربية وإعادة تجزئتها".

وأضاف أنه اليوم "نرى التقسيم يقترب أكثر فأكثر من منطقة المغرب العربي، حيث أصبح واقعاً فعلياً في ليبيا، ويواجه المغرب منذ 4 عقود مخططاً رهيباً لفصل أقاليمه الجنوبية عنه".

وأكد العاهل المغربي في خطاب القمة المغربية الخليجية على أخطار التقسيم التي تتهدد المنطقة العربية قائلاً إن "المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي".

وقال إن "ما تم تقديمه كربيع عربي خلّف خراباً ودماراً ومآسي إنسانية، ها نحن نعيش اليوم خريفاً كارثياً يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز".

تحميل المزيد