رأيته ووجهه كان يملأ الحلم كله فيما تريده عصافير الفجر، فتعرفه بها كما وجه رئيسنا الطالع من خلف الرؤى القاتمة، وحسابات الأيام؟ رأيته ووجهه يليق بتاريخ شعب يسكنه الغضب، ويروضه التعب، و تخيفه الأعين المترصدة من ثقوب الليل الغشيم، فهل سيجيء وجهه غاضبا تعبا؟ و أعرفه واسمه يتردد في رنين الوطن مند زمن، وهي الأسماء ذاتها تتردد في رنين الوطن مند زمن، فهل سيجيء مألوفا متداولا كما ذلك الرنين الموعود؟
رأيته ووجهه كالظل ملتصق بالجلد منذ وعي أحلام جيلي إلى يوم الغياب لكل ميلادات جيلي؟ وأنه الظل ذاته يصطنع الأسماء فيروضها على القول فيما يتمناه لكي لا يخطئ قصده أبدًا، ولا يتوه سعيه كثيرًا، و لا يضيع رميه مهما عتت الرياح و علت الأمواج، فجميع مراصد وجهه برد و سلام؟ أعرفه وأكاد أشاهده حين أغمض عيناي الحزينتين المملوءتين بالدمع، و القيح، و الحزن العميق، شاهدته مستدخل في يومياتنا بالتهليل، و التقبيل، و التزوير، و أشاهده مستبعث في أحلامنا، فارس بلا جواد و لا معركة، لكنه مستدام زمنه بالمجد كله، و التاج المذهب نفسه منذ الإشراقات الأولى؟
شاهدته مترشح في طموحاتنا، قابض على بقايا الروح فينا، فلا نملك أمامه خيارًا سوى الانقياد وراء ظله المنتظر، شاهدته، و رأيته، حجر زاوية في أحاديثنا المزينة بالثرثرة عن الله و العالم، لكنها ثرثرة لا تمس الأسماء المدعمة بالبنوك و السلاح، وأحاديث من الكذب، و نفاق الاستثنائي فلا يشبهه ذلك الموصوف في الكتب و كلام الصالحين؟ وأحاديثنا المجملة بالأخبار المزيفة، و المعلومات المسربة، و القراءات المغلوطة في الصحف المدفوعة الأجر فلا تفلس أبدأ، و لو لم يشتريه أحد؟
وأعرفه، ولأنه لن يأتي هكذا مفاجئ، فأيامنا لا تعترف بالمفاجأت، وتقبل بمن يركبونها قال أحدهم: إن رئيسهم جاء مفاجئ فدخل عليه الغول بغتة فأكله، وكل شيء لدينا مسطر منذ البدايات؛ مسطر عند منتصف الطريق؛ مسطر و عند النهايات مسطر، كل شيء مكتوب بالأحرف الواضحة لما سيجيء، فلا يفاجئنا طارئ و لا يطرق بابنا غريب أبدا؟ و يقول العارفون: ممن رأوه أيضا أنه و الذي سيأتي في الزمن الموعود، ووصفوه بالمستعجل، فيما يلي عهدات الرئيس تريد الاستعمال مثلا، و بالصوت الخافت وكأنه، و قيامه قد حان، و كأن أعلام ظهوره المنتظر تكاد ترفع، وكأن اسمه المالوف يتردد ببركاته خلف الأبواب المغلقة.
والأسماء كثيرة في البداية لكنها ستنحصر عند العارفين تحت القول الحزين، وأنها أسماء تتدرج مند زمن في سلالم الباب العالي، و تريد رأس جسدها المتعب الآن، و قبل كل شيء، وهي أسماء ووجوه تعددت قديمًا و حديثًا، و قادرة على استحداث ذات التعدد في قابل الأيام، أعرفه ورأيته فهم واقفون أمام أعيننا، و سيستمرون في لعبة الوقوف المستديم اليوم و غدا، يا هند كما في الفيلم الإسلامي الشهير.
رأيت وجهه رئيسنا التالي، من خلف الرؤى القاتمة و ضباب الأيام اسم، ووجه، و سيرة، ومسار، رايته ملصق في مداخل صالونات الأحزاب الغاضبة منه لكنها عاشقة لمن يقتربون من بهاء تفاصل محياه، و صالونات الأحزاب المستبشرة و الراضية بوقفة منتصف الطريق في انتظار الوصول الموعود؟ و رأيته عند جماليات الأحزاب، وبين حسابات الأرباب، و لدي الذين يملكون زمام الأمر، و مبادرة المال و السلاح و الإعلام الجديد.
رأيته ولا أدري لماذا الآخرون ينكرونه؟ فيقولون مثلا: لا يعرفون وجه رئيسنا التالي ؟ هم لا يعرفونه هكذا على سليقة القول خوف من ضباب سالف أيامهم أو يحول دون أعمالهم أو يصنفون على قوائم المغضوب عليهم في البنوك و مصالح التوظيف و الإعلام الشريف. لكنهم في أعمق أحلامهم يعرفون وجهًا بهيًا طالع من تعب و غضب و آمال لا تبلي يا وطني. أكاد أبصر وجه رئيسنا التالي، وقد أنهى التزاماته تجاه الإعلام، و الأسماء، و التاريخ الذي ما يزال كالظل يتابع وجه رئيسنا إلى السدة؛ تاريخ يصنع بالوجوه و الأسماء و الزوايا ،و المهمشين و الكثير الكثير من الخونة و المتربصين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.