طبول الحرب قد دقت، وصفوف الكتب والصفحات قد اصطفت وتكدست، والأبواب عليك قد أغلقت، تَكِدُ في نكد، تصارع الزمن الذي تبقى قبل حلول يوم حبذا لو تعطل قدومه أكثر. حالة الطوارئ في البيت قد أُعلِنَتْ، وغرفتك لا تقل فوضى عن السوق أسفل شرفة بيتك المعتق برائحة العفن. في الركن كومة ثيابك المتسخة ترمقك من حين لأخر بنظرات مليئة بإحساس الشفقة، تستنجد (ين) بعباية تقادم عليها الزمن، تلفها وتواصل العمل، في كل يوم يمر تتزايد قيمة الوقت عندك وتصبح للدقيقة والثانية حضوة كبيرة يُحسب لها ألف حساب.
نمط حياتك العادي قد تغير، ترتشف الوجبات على عجل و"بولياتك" خير جليس تؤنس بها لقمة بئيسة بؤس وضعك المرير. بحلول الموعد المحــتـــوم، تزداد عليك شدة الضغوط، وقد تبخر كل ما تعلمته بين الفصول، يتبقى لك يوم تعيد فيه التهام كل تلك الدروس، وتجتر كبريات المواد في ليلة واحدة بقدرة تصيبك بالذهول، هذا إن كنت من الذين لا يخضعون ويخنعون للتوتر والضغوط.
وأنت تقرأ هذه السطور، هنالك فرضيتين، إما أنك من الصنف الذي تنطبق عليه هذه الحكاية ووجدت ذاتك فيما سُرد، أو أنك ممن ظنوا أني بالغت في الأمر وأنه لا يستحق كل هذا التعظيم والتفخيم. وهنا أصل السؤال في هذا الموضوع: ألا نبالغ كطلبة يدرسون الطب في تعظيم واستصعاب هذا المسار مقارنة بمسارات تكوينية أخرى؟ وكيف السبيل الأمثل لاجتياز مسار التكوين بتداريبه وامتحاناته بالأريحية الممكنة؟ في هذا الموضوع سنحاول أن نقارب ظاهرة تفاعل طلبة الطب مع فترة الامتحانات وما يواكبها من توتر شديد، ونبسط أبرز الأسس والخطوات من أجل اجتيازها بنجاح. مقاربة تنطلق من رؤية طلابية من باب الزمالة والمساندة، ومن واجب التأطير والنصح، لا من باب الأستاذية والفوقية، لعلنا نساهم ولو بالقليل في التخفيف من ضغط المرحلة وتجاوز إشكالاتها بنجاح خاصة لطلبة السلك الأول وكل من تتجدد معاناته في موسم الامتحانات.
الجو العام السائد داخل أسوار كليات الطب يميل إلى إعطاء وإصباغ التكوين الطبي بالصعوبة والمشقة، يغذي هذا الطرح الصورة المجتمعية عن التكوين الطبي التي تواكب الطالب قبل ولوجه واختياره هذا التخصص، صورة قاتمة تتحدث عن مشقة المشوار وطول السنوات وصعوبة الدراسة وكبريات الكتب والمجلدات بشتى تعقيداتها، ما يغرق الطالب في جو من الخوف وهاجس الفشل وصعوبة النجاح حين عامه الأول في الكلية. دوامة الخوف ومهابة الفشل هذه سرعان ما ستصبح قرينك طوال هذا المسار بين كل فصلين خلال كل عام، وفي كل تدريب داخل المستشفى.
إدراكك لهذا الأمر،واتخاذك لموقف ثابت، يتأسس على قدراتك التعليمية والإدراكية بعيدا عن ما يتداوله الجميع، يعد ضرورة لازمة من أجل اتخاذ الخطوات الأصح، لاجتياز مسار التكوين بصورة أفضل على طريقتك ونهجك. عليك الاختيار بين أن تكون عبدا للتوتر، يتلاعب بك كيفما شاء، أو أن تكون سيدًا عليه، تستغله وتسيره لصالحك كدافع أكبر للتحسين والتطور المستمر.
كما لأي تكوين كيفما كان خصائصه ومميزاته، عقباته وتحدياته، تعقيداته، وتفرعاته، التكوين الطبي أيضا لا يحيد عن هذه القاعدة، يختلف ويتميز أساسًا في طول مدة التكوين، المرتبط بشساعة المحتوى البيداغوجي، وطبيعته العملية التطبيقية.
ما يهم في هذا الإشكال الأكبر، هو مبدأ قابليته للتعلم ،وقدرة الطالب على التكيف ثم التميز فيه، وفي هذا الإطار تستدعي الضرورة المرور عبر الامتحانات كوسيلة تقييم لما تم تعلمه وحفظه، وهذه أبرز الخطوات المتعارف عليها والمتداولة من أجل الإعداد واجتيازها بنجاح، رغم بساطتها وبداهتها لكن فعاليتها مثبتة:
1 ـ ضرورة الإيمان بقدرتك على النجاح.
قدرات التعلم والإدراك وقدرات التكيف تختلف من شخص لأخر، وما ينطبق على غيرك ليس بالضرورة يُسْقطُ عليك، بمجرد بدايتك لهذا المسار، المسألة مسألة وقت ريثما تنسجم مع المنظومة ككل، وتصبح الأمور اعتيادية روتينية، اقتناعك بقدرتك على النجاح وتجاوز كل المحن تعد ملجأك الوحيد حتى في أحلك اللحظات حين تخرج الأمور عن السيطرة ويتجاوزك الوقت وكثرة الدروس، كن عنيدًا في هذه اللحظات واترك الاستسلام جانبا وكن واثقًا من نفسك وقدراتك، فكما اجتازها بنجاح كثر قبلك، يمكنك أيضا ذلك. تذكر أنك في طور التعلم واكتشاف ذاتك وقدراتك، وأن الإنسان يتكيف مع بيئته، ستتفاجئ بعد مرور الزمن بالتطور الذي حصل.
2 ـ الجدولة الزمنية:
كيفما كان موعد بدايتك للإعداد، الأحسن أن يكون قبل الامتحان بأكبر فترة ممكنة، أعد جدول زمنيا مرناً يأخذ بعين الاعتبار كم الدروس والمواد (modules) التي ستجتازها في الامتحان، تحدد فيه المدة الزمنية اللازمة لكل مادة على حدة، تراتبيا حسب: كم، ومحتوى المادة، وأهميتها، الجدولة الزمنية لفترة اجتياز الامتحان، وقدرتك على التعلم والحفظ، وتترك فيه حيز لنفسك وذاتك من اجل الاستراحة وكسر روتين الإعداد وأجواء التوتر من قبيل المشي واللعب والطبخ … وغيرها من الوسائل الترفيهية حسب هوايات الشخص، هذه الأمور على بساطتها تعد وسائل مهمة في إعادة شحن الهمم من أجل تحصيل أفضل. استغل الوقت بأفضل الطرق الممكنة.
المهم أيضا العمل بمبدأ السرعة النهائية والثقة في النفس حين تشتد الأمور، خاصة تكثيف العمل والدراسة في الأيام الأخيرة حتى الساعة الأخيرة قبل الدخول إلى قاعة الامتحان، لا تتفاجئ (ين) ولا تتوجس (ين) خوفا إن تناسيت كل ما تعلمته خلال الأسابيع الأخيرة، الأمر طبيعي، يتحتم عليك إعادة ذلك قبل كل امتحان. حتى وان لم تطلع على بعض المواد، الانتباه والتركيز العالي في الفترات الأخيرة يمكنك من ضبطها في فترة قياسية.
3 ـ طرق الإعداد والحفظ:
تختلف الطرق من شخص إلى أخر، تميز في طريقتك الخاصة، عبر إعداد ملخصاتك الخاصة وإعادة تشكيل الدرس على طريقتك الأنسب للحفظ ( خطاطة، رسم، أشكال، صور ذهنية، اختصارات … )، الأهم:
"الاطلاع والاستئناس بالنماذج السابقة للامتحانات"، وتكييف طريقة الإعداد حسب نوعية المادة، وإعطاء الأهمية للأشطر حسب نصيبها من الأسئلة.
ــ جرب مختلف طرق التعلم، الحفظ الكلاسيكي، الفهم ورسم الخطاطات الذهنية … حتى تجد الطريقة التي تناسبك.
ــ جزّءْ الدروس المعقدة إلى فقرات، حتى تُفهم بسلاسة ثم أعد الاطلاع عليها كاملة.
ــ التطوير المستمر وتقليص مدة الإعداد مع مرور الزمن: مثلا مادة أخذت من وقتك أسبوعا في الاطلاع عليها، قلص مدتها في الاطلاع والحفظ النهائي إلى يومين أو يوم واحد، اجعله تحد يمكنك كسبه.
4 ـ أثناء اجتياز الإمتحان:
تعد هذه أهم مرحلة مهما كانت فعالية المراحل السابقة، بدون التركيز التام أثناء اجتياز الامتحان، وضبط النفس وكبح التوتر، ومغالبة الإجهاد، مهما كان إعدادك جيدا، بدون هذه الأمور، سيغالبك التوتر ويتبخر كل ما تعلمته وتقع في أبسط الأخطاء التي قد تكلفك الرسوب في المادة.
احرص على ثبات ثقتك في نفسك وقدرتك على اجتياز الامتحان بنجاح، الإعداد الجيد يعينك على كسب هذه الثقة، لا تبخس من قيمة ما تعلمته، فقد يوصلك لاجتياز العتبة اللازمة للنجاح. احرص على أخد قسط وافر من النوم والأكل وتعامل مع الامتحان كأي درس عادي، السؤال الذي لا تستطيع الإجابة عنه اتركه ومر إلى غيره محافظا على ثباتك ورزانتك.
في مسار طالب الطب، الامتحانات تكاد تكون سنة من سنن الحياة اليومية، مع مرور الزمن تصبح على كثرتها وتعددها مجرد محطات مرور عادية تجتازها لتصل إلى أخرى، تتعلم الكثير معها وتتعلم اكتشاف ذاتك وقدرتك على الصبر والتحمل، قدرتك على التكيف مع أحلك الأوضاع، تتطور مهاراتك امتحانا بعد أخر، تتعلم أن الجانب المهني قد يساعد في تشكيل الجانب الشخصي إن استثمرته جيدا، وفي الأخير تصل إلى خلاصة مفادها، أن التجارب الصعبة تعد أفضل الفرص للتعلم.
والله ولي التوفيق
*من أجل دراسة وإعداد في ظروف أفضل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.