إن كان التحدي المُلح بالنسبة لألمانيا العام الماضي هو إيواء مئات الآلاف من الناس الذين وفدوا إلى البلاد في وقت واحد تقريباً يطلبون اللجوء، فإن مهمة هذا العام هي دمجهم، ولكن قبل أن يمكن لذلك أن يحدث، فإن هناك تدقيقاً يجب أن يتم، بل الكثير من التدقيق.
فقد وصل أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا، ولكن الحكومة تؤكد أن عدداً أقل بكثير هم مَنْ سيبقى. فبحسب ما قال مسؤولون، فقط 660 ألف شخص حصلوا حتى الآن على تصريح الإقامة. وطالبت الحكومة الاتحادية الولايات الألمانية البالغ عددها 16 ولاية بأن تضاعف مجموع مَنْ تم ترحيلهم العام الماضي، ويبلغ عددهم 60 ألف شخص. بحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء 27 أبريل/نيسان، 2016.
ولتقليص الأرقام تقوم السلطات بوقف طلبات لمّ شمل الأسر لمدة سنتين، وترفض عشرات الآلاف من المتقدمين من منطقة البلقان والجزائر والمغرب، بحجة أن تلك الدول ليست في حالة حرب.
وترجع مهمة اتخاذ القرار بشأن مَنْ سيبقى ومَنْ سيذهب إلى مسؤولين مثل فرانك يورغن وايز، البالغ من العمر 64 عاماً، الذي قاد وكالة العمل الاتحادية المترامية الأطراف في ألمانيا، ومقرها نورمبرغ، منذ عام 2004.
تركم طلبات اللجوء
وبتراكم طلبات اللجوء إلى 300 ألف طلب في العام الماضي، تولى وايز، وهو عقيد في الاحتياط العسكري، قيادة الوكالة الفيدرالية للهجرة، ومقرها نفس المدينة البافارية، وقد سمّى هذا العدد الهائل "إحراجاً لألمانيا"، وقال إن هناك انطباعاً بأن ألمانيا ليست لديها خطة لكيفية التعامل مع اللاجئين.
وقد أوكل وايز المهمة إلى الآلاف من المسؤولين، وبدأ إجراء حوسبة مركزية للسجلات كي يتم التسريع من وتيرة النظر في طلبات اللجوء ومراقبة الوافدين الجدد.
وقد اندلعت معارك مفتوحة مع المسؤولين الراسخين الذين يزعمون أن العاملين الجدد يفتقرون إلى الخبرة للحكم على طالبي اللجوء. فيما تزيد قوات الأمن من إبعاد مَنْ قد يكون من الإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين، وتوجّه الوافدين الجدد إلى أماكن محددة للإقامة لمنع تكوِّن غيتو جديد للمهاجرين في المدن.
ولدى وايز نفس تلك المخاوف، لكنه ينادي بسرعة إدخال المهاجرين إلى دروس اللغة الألمانية ودورات الاندماج، ومن ثم إلى سوق العمل. فقد أعلنت الحكومة هذا الشهر أنها تعتزم دعم أكثر من 100 ألف وظيفة للعاملين غير المهرة.
ومع ذلك فإن صعوبة تهدئة المخاوف الأمنية وتسريع عملية الدمج تبرز فوراً عند ملاحظة جلسات الاستماع الفردية لطالبي اللجوء التي يقرّها القانون والاتفاقيات الدولية.
في حالة واضحة لرجل سوري تمت مقابلته هذا الشهر، بالقرب من نورمبرغ، استغرقت أكثر من ساعة، مع وجود ترجمة لكل سؤال وجواب. واضطر مسؤول المقابلات لاحقاً إلى فعل الشيء نفسه مع زوجة الرجل. وبتلك الوتيرة سيكون المسؤولون محظوظين بإنهاء 4 حالات في اليوم.
حتى أن وايز طالب بأن تصل ساعات العمل إلى 50 ساعة أسبوعياً، فهو يرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق شعار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: "سنسيطر على هذه الأزمة".
"لا أستطيع القول سوى أننا نحاول"، كهذا قال وايز، فإن مصائر 8 أشخاص مُعظمهم صغار السن، وهم رجال من الجزائر والمغرب كانوا سوياً في قاعة اجتماعات مؤقتة في كولونيا، بين أيدي مسؤولين مثله.
وبخريطة ألمانيا والأفعال الألمانية المكتوبة بانحناءات خط اليد والملصقة على الجدران، قال هؤلاء المهاجرون، الذين وصل معظمهم أواخر العام الماضي، إن كل ما يريدون فعله هو تعلُّم اللغة الألمانية، والخروج من مأوى اللاجئين هذا الذي يضم حوالي 600 شخص، والعمل، ودفع الضرائب، وبناء المستقبل الذي لم يتسنّ لهم في الوطن.
اللاجئون الأوروبيون وأزمة المهاجرين
"نحن نصلي من أجل أن يقبلنا الناس ولا نتعرض للتمييز، فليس كل مَنْ له شعر داكن مجرماً. نريد أن نلقى معاملة كالناس، فجميعنا سواسية"، هكذا قال يونس، البالغ من العمر 23 عاماً، الوافد من الجزائر العاصمة.
ولكن بعد ترحيب خريف الماضي، تم تشديد المواقف بخاصة في أعقاب مئات الاعتداءات الجنسية التي وقعت من قبل شبان في كولونيا ليلة رأس السنة الجديدة في تلك الليلة التي أصبحت رمزاً للدمج المضطرب والصدام بين القيم الثقافية.
فمن بين 153 مشتبهاً به تم التعرف عليهم إثر ارتكاب أكثر من 1500 حالة سرقة واعتداء جنسي، كان هُناك 103 من الجزائر والمغرب، وفقاً للسلطات. وقال قائد شرطة كولونيا، يورغن ماثيس، في مقابلة كان قد أجراها في وقت سابق إن معظم المشتبه بهم قد وصلوا إلى البلاد مؤخراً خلال تدفق المهاجرين.
وقال متحدث باسم المحكمة، وولفغانغ شورم، إن جميع المدانين البالغ عددهم 103 تقريباً تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً.
وفي مواجهة تلك الحقائق، والعقاب الذي تلقته من الناخبين الذين أيدوا الحزب الصاعد المعادي للمهاجرين في 3 انتخابات بالولايات، تعزز الحكومة الألمانية القلقة جهود إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب ومحاولة تسريع وتيرة الدمج.
وحتى المهاجرون الذين يتم ترحيلهم في نهاية المطاف يجب أن يتم توظيفهم بطريقة أو بأخرى خلال وجودهم بألمانيا، وقالت ميركل إنه بإمكانهم أخذ أي من المهارات التي اكتسبوها إلى أوطانهم.
من جانب آخر؛ قال الرئيس الألماني يواخيم غاوك: "إننا نخاطر بأن يتحول الإحباط والملل إلى عنف وجريمة، أو أن ينمو التطرف السياسي والديني".
تضاعف حدة المخاوف
ففي كولونيا، تضاعفت حدة المخاوف الأمنية في أعقاب اعتداءات ليلة رأس السنة الجديدة، والهجمات التي وقعت في باريس وبروكسل. فكولونيا على مقربة من الحدود الألمانية مع كل من بلجيكا وفرنسا، والتوتر واضح.
وزاد قائد شرطة المدينة الجديد، ماثيس، بشكل حاد دوريات الشرطة، بخاصة حول محطة القطار والكاتدرائية، حيث وقعت اعتداءات العام الجديد. وقال إن هناك حاجة إلى استعادة ثقة الناس بقوات الأمن.
على النقيض من ذلك، فإن يونس ورفاقه جميعاً تحدثوا عن أن أكبر تواجد للشرطة يكون في المقاهي والشوارع. ولاحظوا أن المسلمين منفذي هجمات باريس وبلجيكا ولدوا وتلقوا تعليمهم في أوروبا.
"على القادة الأوروبيين التفريق بين هؤلاء وغيرهم من الناس الذين جاءوا لتأمين مستقبلهم وتحسين وضعهم الاقتصادي"، هكذا قال عبدالرحيم، الجزائري البالغ من العمر 27 عاماً. الذي أصر على أن "الوافدين الجدد لا يرتكبون هذا النوع من الأفعال التي رأيتها ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة".
وكانت المجموعة مُستاءة من أن دروس اللغة والدمج الرسمية مفتوحة فقط للسوريين وغيرهم الذين من المرجح لهم أن ينالوا التصريح بالبقاء في البلاد.
مع ذلك فإن المسؤولين الآن يحذرون من أنه رغم الاهتمام الخاص والدورات، سيفتقر الكثير من هؤلاء الباقين إلى مهارات العمل المناسبة.
كارل برينكي، الخبير في مجال العمالة والهجرة في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، يقول إن معظم المهاجرين يأتون من البلدان التي تستغرق فيها مراحل التعليم سنوات أقل من نظيرتها في ألمانيا، ومن الصعب بالفعل مقارنة المؤهلات، حيث إن هناك 14 شخصاً يتنافسون على وظيفة لا تتطلب مهارة أساسية.
وأشار إلى أرقام تبين أن عدد الأشخاص القادرين على العمل والذين لا يعملون ويعيشون في رفاهية، قد ازدادت لتصل إلى نحو 280 ألف شخص في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعدما كانت تبلغ نحو 116 ألف شخص في أوائل عام 2011. ونصفهم من السوريين.
ويقول كارل إنه يرى خطراً بأن المهاجرين قد يبقون عاطلين عن العمل لسنوات. حتى أن وايز يعترف بأن العمل يعد أمراً صعباً، فنحو 70% من طالبي اللجوء خلال عام 2015، كانت أعمارهم تحت 30 عاماً. وبإمكان 10% منهم العثور على عمل في غضون عام، فيما قد يتمكن 50% منهم إيجاد عمل في غضون 5 سنوات.
حتى من دون إيواء المهاجرين من شمال إفريقيا، يقول كارل إنه من الواضح بالفعل أن "اللاجئين ليسوا قوة العمل التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية.