كيف يمكن أن تزداد علما دون أن تنكر وجود الله؟!.. هذا السؤال الشائك كان محور نقاش مطول شهدته إحدى جلسات منتدى الشرق الشبابي في نسخته الثالثة الذي انطلقت فعالياته الجمعة 29 أبريل/نيسان 2016 في مدينة إسطنبول التركية تحت شعار "عهد جديد"، وسط حضور شبابي لافت وصل إلى 500 شاب من عدة جنسيات.
النقاش جاء خلال جلسة الشرق الخاصة، التي بحثت إمكانية أن تحمل نظرية موحّدة للمعرفة مفتاح حل لمشاكل المنطقة وشارك فيها كل من وضاح خنفر، مدير منتدى الشرق، ودكتور هيثم سلامة، المدير التنفيذي للإدارة والسياسات العلمية بمؤسسة قطر حيث استعرضا إمكانية أن تنشأ نظرية معرفية جديدة تتضمن العلوم والدين والفلسفة توجد حلولاً لكثير من مشاكل المنطقة والعالم.
وذكر كل من المتحدثين تجربته بين العلوم والفلسفة والدين، مشيرين إلى عدم وجود حدود فاصلة بين هذه الكيانات المعرفية، والتخصص في أحد هذه الكيانات لا يعني التقوقع داخله وعدم الخوض في الكيانات الأخرى.
مفهوم جديد للعلم يتضمن الدين
وتطرق خنفر للجدلية الدائمة بين الدين والعلم، وقارن بين تجربة أوروبا منذ القرن الـ17، وكيف أن التطور العلمي فيها كان مفارقاً للدين، بحيث لا يتدخل الدين في العلم ولا يتدخل العلم في الدين، وبين التجربة الإسلامية التي انطلقت في القرن الثامن الميلادي عندما كان هناك العديد من النماذج المعرفية غير المخاصمة للدين من معتزلة ومتصوفة وفلاسفة وعلماء، فكان هناك ابن سينا، الطبيب والمفسر والفيلسوف.
الفوارق بين العلم والفكر تحطمت
وأشار خنفر إلى أن الفوارق بين العلم والفكر بدأت في التحطم منذ أن ألقى أينشتاين بنظريته النسبية التي لم تتسبب في صدمة على مستوى العلوم بل على مستوى الفكر أيضاً؛ لأنها أبرزت بوضوح عدم وجود مرجعية ثابتة في الكون. بعدها جاءت نظرية ميكانيكا الكم في فترة الأربعينات لتؤكد أنه لا يوجد شيء يقيني مطلق، لكن هناك دائماً احتمالات.
وذكر خنفر أن أي منطقة فراغ غامضة كان الإنسان يتعرّض لها على مستوى العلم أو الفكر، كان يملؤها دائماً بالميتافيزيقيا (علوم ما وراء الطبيعة)، وهو السبب وراء الكثير من الأساطير في الثقافات المختلفة "البعض كان يملأ هذه الفراغات بوجود الله".
ونتيجة للتقدم العلمي الكبير بدأت هذه الفراغات تتناقص بشدة حتى كادت تتلاشى، وهذا الأمر هو ما جعل بعض العلماء في الغرب يقولون إنه لم تعد هناك حاجة لوجود الله.
لكن خنفر قال: "ليس لدينا مشكلة مع وجود الله، فالله عندنا متعالٍ، ووجوده ليس وجود وظيفي ليملأ بعض الفراغات، لكنه وجود ضروري واجب".
وذكر أن العلماء الذين يبحثون عن النظرية الجامعة لكل شيء أو "نظرية كل شيء" لن يتمكنوا من الوصول إليها إلا إذا أعيد تفسير العلم نفسه وأدخل إليه الموجودات المعرفية وراء العلم كوجود الإله وفكرة الوحي الإلهي وغيرها، فالعلوم لم تعد بمنأى عن الفكر والوحي الإلهي.
يُذكر أن منتدى الشرق الشبابي هو شبكة لامركزية منبثقة عن منتدى الشرق، منذ عام 2012، تضم في عضويتها شباباً فاعلاً من منطقة الشرق، وهدفها هو ترسيخ قيم التواصل والحوار والديمقراطية بين أبناء منطقة الشرق، والمساهمة في بناء مستقبل مستقر سياسياً ومزدهر اقتصادياً.