منحبك!

"منحبك" كم هي كلمة مقيتة، حينما تخرج من فم مظلوم غير محسوب على الفئة الباغية، اضطروه لقولها حين اعتقد أن فيها نجاته من بغيهم...وياللحزن عليه عندما يكتشف أنهم جماعة يصعب إرضاؤهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/28 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/28 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش

زرت سوريا الحبيبة في عام 2008 في منتصف فصل الخريف، كانت هذه هي المرة الأولى لي فيها، دخلت من الأراضي الأردنية إلى درعا براً، ثم انتقلت إلى دمشق، ومنها إلى معبر باب الهوى إلى الأراضي التركية… لفت انتباهي أشياء كثيرة فيها، فسرت لي الكثير من الأحداث التي ظهرت بعد ذلك مع قيام الثورة السورية. فقد كانت صور حامي الحمى "بشار الأسد" _ وكما هي عادة جميع العرب مع رؤسائهم_ تنتشر في كل مكان تقريباً، في الشوارع، على واجهات المحال التجارية، على المعابر، في المطارات… الخ والكثير منها مرسوم عليها قلوب حمراء تزينها كلمة "منحبك".
للمرة الأولى في حياتي أشعر فيها بخوف شديد لسبب مجهول… فقد شعرت بأنني في دولة مخابراتية من الدرجة الأولى…وأخذت المعلومات المرعبة التي قرأتها عن السجون السورية تفرض نفسها على تفكيري، وخاصة سجن تدمر -سيء الصيت والسمعة-، والتعذيب في تلك السجون الذي تجاوز كل الحدود، وحالات الاختفاء الغامض للأفراد دون أي سبب يفسر ذلك الاختفاء سوى تلفظهم بكلمات في العالم الافتراضي تسيء من بعيد للنظام الحاكم أو أحد رجالاته.

شاهدت الرشاوي التي تحدث بشكل علني بادٍ للعيان في وضح النهار، فلا يتم انجاز معاملات رسمية إلا بعد تقديم الرشوة، وقد وصل الحال ببعض الضباط على المعبر (الذي كان عليَّ اجتيازه للعبور إلى الأراضي التركية) ألا يضع الأختام اللازمة على جوازات السفر إلا بعد دفع "المعلوم"، بل كانوا يطلبون المعلوم بألسنتهم وبشكل جهري دون مواربة.

رأيت في الشعب السوري أناساً كادحين، يركضون ليل نهار وراء لقمة العيش التي تهرب منهم، فيضطرون لمطاردتها حتى الإمساك بها، قبل أن ترحل إلى أجوافهم عساها تسكن جوعهم، ويحضرني هنا بيت الشعر الذي قاله إيليا أبو ماضي في قصيدته " حياة مشقات":
أغرب خلف الرزق وهو مشرق***** وأقسم لو شرقت كان يغرب
فهكذا كان حالهم قبل الثورة السورية… بل وحال جميع الأمم العربية التي تعيش في جميع الدول التي يحكمها الطغاة.. ممنوع أن تفهم أكثر من أمورك الخاصة، فإن بدأت تفهم قضايا أمتك فقد بدأت تلعب بالنار، لأن فهمك هذا سيجرك إلى الاعتراض على ما يجري، وربما تنساق إلى مناكفته أيضاً، وهو الخطر…بل هو الموت بعينه، احذر… يحرم عليك أن تتفوه بشطر كلمة تنم عن عدم موافقتك للسياسات المتبعة وبيع خيرات البلاد وقمع العباد…بل مطلوب منك أن تبارك… فبارك الفقر والقهر والجهل والمرض ولا تنسى أيضاً أن تبارك السياسات المتبعة وأصحابها.

"منحبك" كم هي كلمة مقيتة، حينما تخرج من فم مظلوم غير محسوب على الفئة الباغية، اضطروه لقولها حين اعتقد أن فيها نجاته من بغيهم…وياللحزن عليه عندما يكتشف أنهم جماعة يصعب إرضاؤهم… وسيتضح أمام ذلك المظلوم أن النتيجة واحدة في كل الأحوال…أتنازل لهم أم أبقى على عزة نفسه وكرامته…فالقتل والتشريد والتدمير والاغتصاب…فقط هي الخيارات المتاحة أمام الفقراء والمظلومين…لأنهم ليسوا فقط إرهابيين، بل هم الإرهاب بعينه، فمن أصلابهم يخرج من يقول "ربي الله" ويقاتل بشار.

صحيح أن الأيام القائمة حالكة الظلام، إلا أن الغد بإذن الله سيكون أفضل، لأن سنة الله في خلقه تقضي أن لا يبقى الظالم ظالماً ولا المظلوم مظلوماً، فدوام الحال من المحال…ولا بد للجميع من أخذ العبرة من إخواننا السوريين، فمجاراة الظالم على ظلمه اتقاءًا لشره، جريمة ترتكبها الشعوب بحق أنفسهم ومستقبلهم وبحق جميع الأجيال اللاحقة من بعدهم… "فاعتبروا يا أولي الألباب".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد