"أرامكو" تشكل محوراً هاماً في رؤية السعودية 2030 التي طرحها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووافق عليها مجلس الوزراء في 25 أبريل/نيسان 2016، ولكن تساؤلات كثيرة حول دور أرامكو في هذه الرؤية هل سيقتصر على توفير مصادر ضخمة للاستثمار عبر طرح جزء من أسهمها في اكتتاب، وكم قيمة أصولها؟ ولماذا سيكون الطرح في البورصة الأميركية وليست السعودية؟ وما أهمية مجال التعدين غير النفطي في السعودية؟ وهل يشكل أرضاً بكرا لم تستغل بعد أو منجم للذهب لم يستثمر ولم يعرف بعد حجمه الحقيقي؟
"لا يمكن تجاهل أرامكو في سياق الرؤية السعودية الجديدة"، بهذه العبارة يصف الدكتور أنور العشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أهمية الدور لعملاق صناعة البترول في تنفيذ الرؤية الجديدة للنهوض بالاقتصاد السعودية.
وقال عشقي لـ"عربي بوست": "إن الوجه الجديد لشركة أرامكو هو الوجه الصناعي، حيث تستثمر جزءاً من إيراداتها في قطاع الصناعة، والمقصود بالصناعة هو الانخراط في الصناعات الخفيفة والثقيلة، إلا أن الرؤية الجديدة للسعودية تريد شيئاً آخر من أرامكو، وهو الانخراط بشكل أكبر في قطاع التعدين، وهو القطاع المهمش، بالرغم الموارد الطبيعية التي تمتلكها السعودية.
وكان ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد أكد أن طرح جزء من أسهم أرامكو يعد من المفاتيح الرئيسية لـ"رؤية المملكة" لعام 2030 ولنهضة الاقتصاد السعودي، وأن الحصة التي ستُطرح من الشركة هي أقل من 5%، حيث حُددت الحصة بحكم حجم أرامكو الضخم جدا، متوقعاً أن يكون (تقييم أرامكو الإجمالي) أكثر من تريليوني دولار أميركي، ما يعادل أكثر من 7 تريليونات ريال سعودي، موضحاً أن الأفكار تتمحور حول كيف تكون هناك نوافذ لأسهم أرامكو من خارج السوق السعودي.
أرامكو.. إلى أين؟
وبحسب عشقي، فإن المنتظر من شركة أرامكو هو السير في 3 اتجاهات، الاتجاه الأول هو إنتاج النفط، الاتجاه الثاني هو تطوير مجال التعدين، لكي يصبح مصدراً للدخل للسعودية، والاتجاه الثالث، هو استقطاب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة بالسعودية.
ومن جانبه، قال فهد بن جمعة، نائب رئيس لجنة الاقتصاد في مجلس الشورى وعضو اللجنة الخاصة برؤية المملكة 2030، أن طرح أسهم لشركة أرامكو في الأسواق البورصة الأميركية جاء لنتيجة ضخامة القيمة المالية للشركة، حيث إن سوق الأسهم السعودي لا يمكنه بأي حال تغطية الاكتتاب.
وأضاف بن جمعة لـ"عربي بوست" أن طرح أسهم شركة أرامكو في السوق الأميركية، سيتم عبر صناديق خاصة، إلا أنه من المتوقع أيضاً أن يتم التوسع في طرح أسهم عملاق النفط السعودي في أسواق عالمية الأخرى من ضمنها سوق الأسهم البريطانية"، مشيراً إلى طرح أسهم أرامكو في الأسواق العالمية سؤدي إلى تطوير أدوات الرقابة المالية على الشركة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام استقطاب المستثمرين الأجانب سواء كانوا بنوكاً أو شركات أو أفراداً.
ولم يوضح بن جمعة حجم الأسهم المراد طرحها في السوق الأميركية أو في السوق البريطانية، إلا أنه أوضح أن أسواق المال السعودي لا يمكنه تحمل طرح الحصة المقدرة بأقل من 5% من شركة البترولية بمفرده، وذلك بحسب الدراسات التي أجريت في هذا الصدد.
أرامكو ليست مجرد شركة
سكان المنطقة الشرقية بالسعودية يعرفون شركة أرامكو جيداً، حيث نجحت الشركة في خلق بنية تحتية مميزة للمدن الواقعة تحت نطاق المنطقة، وهي: الخبر، الدمام، والظهران، والأخيرة هي مقر الشركة، فهناك أدوار متعددة لأرامكو امتدت إلى مجال المقاولات، لاسيما في مجال البنية التحتية، والقطاع الصحي المتمثل في مستشفى أرامكو.
وأسندت الحكومة السعودية مهام متعددة للشركة لتصبح شريكاً أساسياً في مجال خطط التنمية، فسكان مدينة جدة مازالوا يتذكرون دور الشركة النفطية في بناء منظومة لتصريف مياه الأمطار في أعقاب حادثتي السيول التي ضربت مدينة جدة، عامي 2010 و2011، إضافة إلى بناء استاد الجوهرة الرياضي في شمال مدينة جدة في عام 2014، وهو مشروع ضخم شيدته الشركة، على أثر تكليف خاص من الحكومة السعودية لبناء الاستاد.
وفي هذا السياق، قال المهندس راشد الرويشد مدير الشؤون الإدارية في منشأة أرامكو في الإحساء شرق السعودية إن "الشركة قامت ببناء مدن وتجهيزها، كمدينتي الخبر، والظهران، حيث كانت تنفذ تلك المشاريع، بمواصفات تضاهي المدن الحديثة، ولعل الزائر للمنطقة الشرقية قد يجد الفرق واضحاً بين مدن المنطقة وغيرها من المدن السعودية، وتعتمد الحكومة السعودية على الشركة ليس فقط في انتاج براميل نفط، بل أيضاً في مشاريع البنى التحتية الضخمة، والسبب هو ثقة الحكومة في قدرة أرامكو على تحقيق الإنجاز".
وأضاف الرويشد لـ"عربي بوست": "أرامكو تعمل بشكل مختلف عن الشركات الأخرى، فهي تتبع منهجية أكثر صرامة في تحقيق الإنجاز بالمشاريع، ولا يوجد هناك مجال للتعسر، ولذلك ستستمر الحكومة السعودية في الاعتماد على الشركة في سياق تنفيذ الرؤية الاقتصادية الجديدة.
واستدرك قائلاً: "لكن هذه المرة ستكون هناك زوايا مختلفة في شكل هذا الاعتماد، حيث سيمتد دور الشركة للقطاعات أخرى، منها القطاع الصناعي، وتأمين الاستثمارات في قطاع الطاقة بشكل أساسي، لاسيما أن أرامكو ستمتلك سيولة كبيرة في تمويل مشاريعها عبر طرح جزء من استثماراتها في الأسواق العالمية".