على الرغم من قيام بعضهم بتحقيق إنجازات كبيرة في مجالات شتى إلأ أن نظرة المجتمع لهم لا تزال متوجسة بحجة انقسام الولاءات، هكذا هو حال المسلمين في بريطانيا.
فالأسبوع المنصرم قامت سيدة بريطانية مسلمة ترتدي الحجاب بصناعة كعكة عيد ميلاد الملكة إليزابيث الثانية الـ 90 بيديها، إلا أن بعض البريطانيين تفاجاؤوا بقيام مسلمة بهذا العمل، لاسيما وهي محجبة، وكانت ردة فعلهم كيف تقوم مسلمة بصناعة الكعكة بل يجب عليها الذهاب إلى الجهاد؟.
هذه الموقف وغيره من البريطانيين مع أبناء وطنهم من المسلمين دفع الكاتب إيان بيرل بكتابة مقال بصحيفة الغارديان البريطانية للدفاع عن هؤلاء الأشخاص، متهماً مجتمعه بالازدواجية في التعامل معهم، ففي الوقت الذي تدعو فيه بريطانيا لاندماج المهاجرين، تقوم بحالة من الإقصاء لهولاء الناس.
وإلى نص المقال
يكفيك أن تكون بريطانياً كي تكون فخوراً، بين مواطني أمة تحب أن تتفاخر بتألقها في إدراج ثقافات جديدة في مجتمعنا الذي يُفترض فيه التسامح.
ففي غضون بضعة أيام فقط؛ أعدّت امرأة مسلمة ترتدي الحجاب كعكة عيد ميلاد الملكة الـ 90، وتم التصويت للاعب كرة مسلم لأول مرّة كلاعب العام، وحققت امرأة مسلمة ثلاثة أهداف لا مثيل لها بكونها أول امرأة سوداء تدين بالإسلام تترأس اتحاد الطلاب القومي، حسب مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية 28 أبريل/ نيسان، 2016.
تلك الخطوات الصغيرة إلى الأمام كان ينبغي لها أن تكون محل فخر، وعلامات على التطور السريع بدولة حديثة تتبنى التنوع؛ ولكن بدلاً من ذلك تتشبث الشبهات بهذا المجتمع، بمعايير مزدوجة تطالب باندماج المهاجرين فيها لكنها تعامل أعضاءها بطريقة تميّز بينهم.
وحتى الحفاوة التي لا يطالها شك بنادية حسين، التي فازت بجائزة برنامج The Great British Bake Off البريطاني، وأعدت للملكة كعكة عيد ميلادها، خرجت على برنامجها التلفزيوني منفعلة بانزعاجها من البعض الذين يتفاجأون من أن امرأة مُسلمة ترتدي الحجاب تطهو الكعك بدلاً من أن تنضم للجهاد.
وفي الوقت نفسه كانت ماليا بوعطية، الرئيسة المُنتخبة للاتحاد الوطني للطلبة، مُضطرة إلى نفي مزاعم حول كونها من المتعاطفين مع الدولة الإسلامية.
للأسف؛ تلك الشكوك ليست فريدة من نوعها بشأن المسلمين البارزين، والذين غالباً ما يواجهون تساؤلات بشأن ولاءاتهم المنقسمة. لاحظ كيف أن قادة المجتمع يدينون الهجمات الدموية في أوروبا، ولكن عندما لا يتم تسجيل تصريحاتهم، تحوم حولهم الشكوك لأنهم لم يدينوا ما حدث.
وتقع بوعطية تحت طائلة الانتقادات أيضاً بسبب آرائها بشأن إسرائيل، وتُتَهم بمعاداة السامية بسبب دعمها الضمني للمقاومة المسلحة في الأراضي المحتلة. ولكن العديد من المسلمين، شأنهم شأن الكثير من غير المسلمين يشعرون بالغضب الشديد إزاء القمع في الضفة الغربية وقطاع غزة. ونرى ذلك مجدداً في التعليقات الفجة التي أدلت بها ناز شاه، واضطرتها في الحال إلى الاستقالة من منصبها كمساعدة مستشار حزب العمال في حكومة الظل.
وبعد زيارة الضفة الغربية وقطاع غزة في الآونة الأخيرة؛ فأنا أتفهم الغضب إزاء إطلاق النار وتعديات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية، وكذلك المخاوف العميقة من الإسرائيليين على الجانب الآخر من نقاط التفتيش.
يجب أن يكون هُناك دوماً حذر شديد من الخلط بين معاداة الصهيونية ومعارضة التوسع الإسرائيلي، كما يجب أيضاً توخي الحذر من الهجمات المستمرة على المتحدثين من المسلمين، ففي بعض الأحيان يكون النقد مُستحقاً، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان ليس كذلك.
وبالتزامن مع تلك الأحداث ندخل المرحلة الأخيرة من سباق رئاسة بلدية لندن، حيث تعرض سياسي بحزب العمل للنقد إثر تذكير الناخبين بديانته.
وحتى الآن، لست مُعجباً بترشيح صادق خان، كما أني لست معجباً بالسياسي المسلم من حزب المحافظين والذي دافع عن زواج المثليين وعارض مقاطعة البضائع الإسرائيلية، مع تلميحات بأنه من المتعاطفين مع الإرهاب ويشكل خطراً أمنياً. فتلك سياسة سيئة. وسيكون من الأفضل أن يخسر الانتخابات من أن يكسبها بهذا الأسلوب الفاسد.
فقد سمعت ناخبي حزب العمال في لندن يقولون أنهم يفكرون في التصويت لحزب المحافظين للمرة الأولى، تماماً مثلما سمعت معلقين ليبراليين يحقرون الإسلام، إنهم بالتأكيد سيصدمون إن تم اتهامهم بتبني أدنى قدر من التحيز.
ومع ذلك فكما قالت الوزيرة السابقة سعيدة وارسي ذات مرة في تحذيراتها من عادة تقسيم المسلمين إلى "معتدلين" و "متطرفين"، إن فزاعة الإسلام تجاوزت الطرح الأولي وصارت مقبولة اجتماعياً، وفي الواقع، من الصعب ألا نتساءل عما إذا كان الهجوم الذي نالته كرئيسة لحزب المحافظين على صلة بمسألة دينها وجنسها وليس أدائها.
وقد أوضحت نتائج استطلاع ضخم أن المسلمين يشعرون بأنهم أكثر قوة من أي دين آخر أو أقلية عرقية. وتوصلت نتائج أخرى إلى أن نصف المشاركين في الاستطلاع يتوقعون "صدام الحضارات" بين المسلمين البريطانيين والبريطانيين البيض الأصليين.
وبينما يتنامى الخوف والعداء – وهو تماماً ما سعى إليه المتطرفون- فأنا أعلم من الشابات اللاتي يعشن خارج لندن أنهن يخشين السفر إلى المدينة بسبب سوء المعاملة والتحديق فيهن. لماذا؟ لأنهن يرتدين الحجاب على رؤوسهن مثل ملكة الكعك الجديدة.
فالمسلمون ليسوا سوى أحدث مجموعة من المهاجرين الذين يتعرضون للشبهة. وقد جاءت ضدهم العديد من المزاعم التي تكرر بدقة ما ذُكر ضد اليهود والكاثوليك.
وينمو التصدع على نطاق أوسع عندما يطرح السياسيون مسائل اللاجئين والدين، وعندما تتعامل الشخصيات البارزة مع مثل هذا المنظور الخاطئ، وعندما يصبح النقد اللاذع ضد مجموعة واحدة تعصباً مقبولاً.
نحن في حاجة للعثور على أرضية مشتركة من المواطنة المشتركة التي تجمع الناس سوياً، ولا تعمق باستمرار الانقسامات المدمرة في مجتمعنا.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.