وقّع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الخميس 28 أبريل/ نيسان 2016 قانون إحداث "المجلس الأعلى للقضاء" الذي صادق عليه البرلمان الشهر الماضي وعارضته كلُّ نقابات القضاة التي رأت أنه لا يضمن استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية.
وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أن قائد السبسي "ختم اليوم القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء" ليدخل القانون بذلك حيّز النفاذ.
وفي 23 مارس/ آذار 2016 صادق مجلس نواب الشعب (البرلمان) الذي يحظى فيه حزبا "حركة النهضة" الإسلامية و"نداء تونس" العلماني (شريكان في ائتلاف حكومي رباعي) بأغلبية المقاعد، على قانون إحداث المجلس الأعلى للقضاء.
البرلمان لم يحسم القضية
وحظي القانون بمصادقة 132 نائباً هم كل من حضروا جلسة المصادقة من إجمالي 217 نائباً يعدهم البرلمان.
وقد أحال الرئيس التونسي هذا القانون إلى "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين" للبت في دستوريته من عدمها.
ولم تحسم الهيئة موقفها من القانون لأن نصف أعضائها أقروا بدستوريته فيما أقر نصفٌ آخر بعدم دستوريته ما جعلها تحيله في 22 أبريل/ نيسان 2016 على رئيس الجمهورية ليبتّ فيه.
وفي 24 أبريل/ نيسان دعت "جمعية القضاة التونسيين" وهي أقدم نقابة للقضاة في تونس، الرئيس الباجي قائد السبسي الى إرجاع القانون إلى البرلمان "لإعادة التداول فيه" و"لدفع شبهة عدم الدستورية التي ستظل عالقة بهذا القانون والتي يتوجّب استبعادها لأثرها الحاسم في سلامة التمشي من عدمه نحو المؤسسات المستقلة لإحدى سلطات الدولة الثلاث".
وكانت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أسقطت في 2015 نسختيْن من قانون المجلس الأعلى للقضاء صادق عليهما البرلمان، مبررة ذلك بعدم تطابقهما مع الدستور التونسي الجديد الذي ينص على استقلالية القضاء.
القانون أبقى على امتيازات وزارة العدل
وقال القاضي أحمد الرحموني رئيس "المرصد التونسي لاستقلالية القضاء" (منظمة حقوقية غير حكومية) إن القانون الذي وقعه الرئيس التونسي "أبقى على الامتيازات نفسها التي كانت تتمتع بها وزارة العدل في عهد (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي في انتداب القضاة وتكوينهم وتفقّدهم (مراقبتهم)، وأسس لمجلس محدود الصلاحيات وفاقد للسلطات".
وكانت نقابات القضاة رفضت إبقاء المعهد الأعلى للقضاء (معهد لتكوين القضاة) ومركز الدراسات القانونية والقضائية (يقوم بإعداد دراسات ومشاريع قوانين)، والتفقدية العامة للقضاة (تحقق في أخطاء وتجاوزات القضاة وتحيل نتائج التحقيق إلى المجلس الأعلى للقضاء) تحت إشراف وزارة العدل وطالبت بإلحاقها بالمجلس الأعلى للقضاء.
واعتبر الرحموني أن الهدف من تمرير قانون "يعطي صلاحيات محدودة للمجلس الأعلى للقضاء" هو "حماية الفساد والفاسدين".
وقال في هذا السياق "الواقع السياسي في تونس اليوم يتميز بهيمنة حزبي النهضة والنداء على البرلمان ودعوتهما إلى +مصالحة+ اقتصادية وسياسية مع رموز فساد من النظام السابق، وباستمرار منظومة فساد لا يمكن حمايتها إلا بإعطاء السلطة التنفيذية امتياز وضع اليد على القضاء (..) لحماية الفساد والفاسدين".
وكان وزير العدل محمد صالح بن عيسى الذي أقاله رئيس الحكومة الحبيب الصيد في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن أنه أقيل بعدما رفض حضور جلسة في البرلمان مخصصة للمصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء.
وقد برر بن عيسى، آنذاك، هذا الرفض بإدخال لجنة التشريع العام في البرلمان "تغييرات كليّة" على مشروع القانون الأصلي الذي أعدته وزارة العدل.
وبحسب الدستور التونسي "يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله".