نستنشق عبق الطبيعة بكلتا رئتينا متمنيين لو كانت لنا رئتان أخريان كمثل الطير، منعمين النظر إلى مفاتن المكان الآسر وهضابة البديعة الأخّاذة.
الورد يتصبب رحيقاً مغرياً، والرياح الخفيفة تراقص تلكم الوردة الخجلاء في فضاء الحياة؛ المتسِع للأرواح المتدلية من صبابة النفخة الإلهية الخالدة.
العصافير جذلا من حولنا تغتسل في بحيرة صغيرة بجوار القارب، ثم تصعد منتشيّةً إلى هناك؛ تلك الأشجار المتزاحمة بألق يسر الناظر، تتلقف تغاريدهن وتسمح لهن بالسجود على الغصون المكتنزة بالجمال.
لم يقل أحدٌ بحرمة تلكم الخصوبة الباهرة، التي تتسلل بفضائل السعادة والإرواء عروق الإنسان، ولم يستقبحها أحد، بل الجميع في تلك الروضات الفنانة في تطلع وسكون منعش. ذلك الإرتقاء النفساني مناط بالعيون المحملقة لبديع الصانع سبحانه، حيث تشعر بلذاذة النظر إلى ما وراء مكامن الاستجمام.
ما بال لذة السمع يُكال لها الآنك المصبوب؛ المكذوب على محمد صلوات ربي وسلامه عليه، وما بال الأحاديث المناهضة لبراءة الطفولة حاضرة، اسمِعوا طفلاً نغماً من الأنغام ستجدونه يطرب ويتمايل. ما سر هذا السر المغروس في أعماقه، وما سر أولئك الذين ربطهم الله حتى يفوحوا بروائح التحجير والتشدد فيما ليس فيه دين، "من لم يطربه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج" أبو حامد الغزالي، هذا الإمام الضخم قالوا فيه أصاغر اليوم الأقاويل العظيمة المنكرة، إلا أن أكابرهم عرفوا قدره، فها هو العقاد يحدثنا بهذه الجملة ذات الدلالة المُفرطة " إن الشرق والغرب لم يعرف مفكراً في حجم أبو حامد الغزالي".
لم يعد هناك شيئٌ جميلٌ في هذه الأمة، سوى الكتاب والنغم، والمناظر الغناء، لم يعد حتى الدين قادرا على اجتلاب الراحة بعد أن تسرب الإيحاء الممض الممرض عنه من أصحابه، ومشائخه، وطلابه، لقد أصبح جحمة لا نعمة، نعاني منه بسبب أولئك الذيول الذين يأكلون رؤوسنا ويغتصبون مساحة آذاننا بكلمة النصوص، دون أن يكون لهم علم بمعنى النص المراد تسميته بالنص، "وليس أمراً يسيراً أن يُدعي القول نصا،فقد تراه أنت نصاً باجتهادك، وهو عند غيرك من الظواهر" محمد جمال الدين القاسمي.
اتركونا أيها الأباطرة، اتركونا أيها العبيد، فنحن لا نريد أن نكون أباطرة ولا نريد أن نكون عبيداً، فليس الخمر والقينات غايتنا، حتى نكُ خير من نفذ الوصية، ولا الانبطاح والتنطع غايتنا أيضاً، لا نريد أن نطرز للظالم الأباطيل من أجل غواية النشء فنسلبهم أوقاتهم، ونشغلهم عن قضايا أمتهم، ولا نريد أن نتعنت ونتشدّق فنُحرِّم ونبيح، دعونا جميعا ما دامت الروح فينا وادعة، والحياة مكتضة بزحام القهر وفواقر الحياة، فإذا ما كان الدين أمر فطري، فالنغم دين فطري، ما نبتغيه ليس أكثر من الإنسان فقط.
إنما هل بالإمكان أن نطلب من وحشٍ له رأسين :وهم الحق؛ ووهم القوة : إنسان.. ؟
لا خيار لدينا ونحن المبصرون إلا أن نطلب..!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.