التسويق الناعم

التسويق كما سبق ذكره ليس مجرد إعلانات و ملصقات أو وصلات تلفزية و إذاعية بل هو دراسات قبلية تعتمد على البحث و التساؤل، و دراسة المخاطر و الفرص و تحديد نقط القوة و الضعف

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/28 الساعة 04:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/28 الساعة 04:28 بتوقيت غرينتش

تمكنت نظرية اقتصاد السوق من التغلغل عبر ربوع المعمورة غربا و شرقا، ما دفع نحو تطور المجتمعات الاستهلاكية، فغزت فكرة الاستهلاك عقول الناس في كل مكان، لكن كيف استطاع المنتجون اختراق رغباتنا و عقولنا و جعلنا نستهلك بشراهة كل ما ينتجونه؟

التسويق أو Marketing هو كلمة السر و السلاح الفيصل الذي مكن أرباب السوق من صناعة مجتمعات استهلاكية تابعة و خاضعة، فصارت الأسواق متحكمة في الأذواق و الموضات بل أكثر من ذلك صرنا ننتظر إملاءات المنتجين، عفوا إعلاناتهم، كي ننزل مهرولين إلى المحال التجارية خاضعين لأوامرهم القاسية،عفوا لعروضهم المذهلة، و كلنا أمل أن يرضوا عنا و يقبلوا أموالنا قربانا لوعودهم السخية بجعل حياتنا أفضل و أنعم.

التسويق أو الماركتينغ يختزله معظم الناس في الإعلانات و العروض التجارية، لكنه أكبر من هذا بكثير، إنه علم قائم بذاته يستحضر عناصره الأساسية من مجموعة من العلوم الإنسانية منها و التجريبية، بدأ تاريخه منذ بدايات الثورة الصناعية ليتطور خلال أزمنة الأزمات الاقتصادية العالمية ثم ليصل أوجه مع تمدد اقتصاد السوق و تطور التكنولوجيات الحديثة، و اليوم يعتبر التسويق أهم أدوات العصر الحديث، و أبرزها في تسويق المنتجات و دراسة سلوك المستهلك و جعله متعلقا بالمنتوجات و وفيًا لها.

و لقد امتد تدخل التسويق لميادين عديدة غير ميدان المنتوجات التجارية، فاليوم يعتبر من الأدوات الأساسية بالنسبة للمنظمات السياسية و الاجتماعية و الإدارية، بل صار التسويق اليوم بالغرب أداة لتسويق الذات و صار وسيلة للبحث عن شريك الحياة وصارت آلياته مستخدمة في مواقع المواعدة و الزواج.

التسويق كما سبق ذكره ليس مجرد إعلانات و ملصقات أو وصلات تلفزية و إذاعية بل هو دراسات قبلية تعتمد على البحث و التساؤل، و دراسة المخاطر و الفرص و تحديد نقط القوة و الضعف، ثم وضع الخطط و الإستراتيجيات و تحويلها إلى سياسات و تاكتيكات على أرض الواقع، ليتوج العمل بحملات تواصلية يليها جني الثمرات و مراقبة تاثير السياسات على أرض الواقع.

الدراسات التي تسبق اختيار الإستراتيجيات و السياسات التسويقية تعد أهم المراحل و أكثرها خطورة، و هنا يظهر تأثير العلوم الإنسانية و التجريبية، المستهلك المغلوب على أمره لا يرى من الصورة غير قمة الجبل الجليدي، فتحت المياه العميقة استحضار لعلم النفس و السوسيولوجيا و الإحصاء و الرياضيات، بل وصل التسويق الحديث حد استعمال علوم الأعصاب الإدراكية.

المنتجون لم يعودوا يعولون على تقنيات التواصل العادية، و محاولة استمالة المستهلك عبر الإقناع و تمييز المنتوج عن المنافسين، بل تجاوزوا هاتهِ المرحلة نحو استخدام ما يسمى حاليا Neuromarketing و الذي يعتمد على علوم الأعصاب الإدراكية Neurosciences من أجل فك شيفرة اللاوعي و الوصول إلى فهم الاختيارات الاستهلاكية، و بالتالي الوصول إلى الهدف الخفي لأرباب السوق و هو التحكم في اختيارات المستهلكين.

يتم حاليا دراسة اليات اتخاذ القرار لدى المستهلك عبر استعمال التقنيات و الآليات الطبية المستعملة في طب الأعصاب، من أجل دراسة نشاطات الدماغ أثناء اختيار المنتوجات و تفاعل الدماغ مع الألوان و الأصوات و الروائح، حتى أن بعض الدول الأوروبية ووعيا منها بخطورة استخدام هاتهِ التقنيات الطبية قامت بمنع القيام بهاتهِ التجارب، و على سبيل المثال فقد قامت فرنسا بمنع استخدام السكانر و ال IRM لغاية الدراسات التجارية في مستشفياتها.

التسويق لم يعد مجرد إعلان ملون يجعلك تنتبه لوجود منتج جديد بل هو سلاح ناعم يستطيع قراءة أفكارك اللاواعية و جعلك تستهلك دون شعور، و المنتج ليس بالضرورة تجاريًا و هنا تكمن الخطورة فقد يكون منتجا سياسيا أيضا أو أفكارا معينة أو اعتقادًا متطرفا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد