لا تكادُ تفتح مواقعَ التّواصل الاجتماعي حتى تتفاجأ بحُمّى "التعميم" التي أصابتْ مرتاديه، وخاصةً بعدَ أحداث التحرّش في "كولونيا"..
كلٌّ يسعى إلى تبرئةِ ذاته بإلقاءِ الأحكامِ على شعوبٍ أخرى، في ظاهرةٍ لا يمكن وصفها إلاَّ بـ"البشعة"..
معَ بداية انتشارِ خبرِ إلقاءِ القبض على لاجئينَ سوريّين وجزائريّين ومغاربة وجنسياتٍ أخرى، بعدَ أحداثِ التحرّش في ألمانيا..
وبعد هجمات باريس وبلجيكا حتى بدأت التُّهم تُلقى "جُزافاً" على بلدانِ المغرب العربيّ..
بينَ قائلٍ:
"إنّهم شعوبٌ لا يمتُّون للعرب بصلة، وهذا ما يدفعهم للتحرّش والسرقة، وأنَّ تحرّر الغرب الذي يعيشونَ فيه قدْ أعمى بصيرتهم وبصائرهم..".
وبين قائل:
"إنّهم شعوبٌ قذرة ومنحرفة، يعيشونَ على "المخدرات" والمجون، ولا سبيلَ لهم للاندماج معَ مجتمعاتنا المحافظة".
وبين قائلٍ :
".. إنَّ الاحتلالَ الفرنسيّ استطاعَ أن يسلخ تلكَ الشّعوب من هويّتها، ويجعلها تابعةً له".
أيًّا كان فحوى تلكَ التعليقات التي لا تُمثّلُ سوى أصحابها، إلاَّ أنّنا لا نستطيعُ أن ننكرَ أنّها تشكّلُ شريحةً كبيرة من المجتمعات العربيّة..
وأنا هنا لستُ بمعرضِ الدفاع عن دول المغرب العربيّ أو عن مُرتكبي أحداثِ "التحرّش" أو "العمليّات الإرهابية"، لأنّني على قناعةٍ مطلقة أنَّ كلَّ شخصٍ يُمثل نفسه، وأنّه:
"لا تزرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى".
وأنَّ لكلِّ مخطئٍ نصيبُه من العقاب الذي يستحق
ولكنْ لأتساءلَ فقط:
إذا كُنّا -نحن العرب- نجدُ أنَّ "الشَّاميَ" متميّز عن غيره من أبناء المحافظات الأخرى، معَ أنّ جميعَهم يحمل الجنسيّة السوريّة، وأنّ الجزائريّ العربيّ أعلى مرتبةً من نظيرِهِ "الأمازيغيّ".
وإذا كنّا نقول عن مصر: بلد "الراقصات" وعن اليمن: "شعب القات"، وعن المغرب: "بلد المخّدرات والحشيش" وعن تونس: "بلد الانحلال والفساد" وعن الجزائر: "الشّعب المُتعصب"، وعن السودان والصومال: "الشعوب المنفية المنسية" وعن الأردن: "الشعب اللئيم" وعن الفلسطينيّ: "أبناء المخيّمات" وعن العراق: "شعب الملاهي اللّيليّة" وعن الخليج: "شعب الترف والبذخ والسُّكر"، وعن وعن وعن..
لماذا نلومُ الغربَ إذن عندما يصفُنا -نحن العر- بالإرهابيّين، وعندما يضعُ المسلمينَ ضمنَ خانةِ "المغضوبِ عليهم"، وعندما يخرجُ في مظاهرات ليطالبنا بمغادرةِ بلاده، أوعندما يقوم بعضُ مُتعصبيه بالاعتداء وإيذاء العرب فقط لأنهم مسلمون أو جاءوا من دولِ العالم الثالث.. دونَ أن يرتكبوا أيّ ذنب؟
لماذا نلومه على كلّ هذا إذا كانَ من أبناء جلدَتنا مَنْ يتعاملُ مع غيرِه بعنصريّة وفوقيّة؟
إنّ هذهِ النظرةَ المبنيّةَ على التعميم، لا تدع مجالاً لدى أصحابها للاستثناء، لأنّها لا تستجلبُ الجهدَ ولا التفكيرَ ولا البحث.. فما أسهلَ أنْ تطلقَ حكمك على الجميع بأنّهم متخلّفون أو أغبياء أو جهلة أو إرهابيّون أو كفار أو ملحدون..
هكذا بسهولة وبدون تفكير..
وما أسهلَ أنْ تقولَ عن "اللّاجئين السوريّين" بأنهم إرهابيون، ويحملونَ دوافعَ إجراميّة، ويمتهنونَ "التسّول"، دونَ أن تقفَ على إبداعاتِ شبابهم، ورغبتهم بالاندماج بمجتمعاتهم الجديدة..
ودونَ أنْ تستثني منهم مَنْ لا يستحق أنْ يكونَ ضمنَ هذا التصنيف..
للتذكير فقط:
أغلب مَن تسلَّم مناصب مهمة وكبرى في الغرب، هم من المغرب العربيّ*
..أغلب الكتّاب والمفكرين المشهورين عالميًّا هم من المغرب العربيّ*
..معظم الإعلاميّين الناجحين والذين جميعنا يعرفهم.. هم من الجزائر والمغرب*
* أبرز اللّاعبين العرب المشهورين عالميًّا هم من الجزائر..
..أهم الفنانين المعروفين في العالم هم من المغرب العربي*
صدّقني عزيزي "المُعمِّم":
أنت تستطيعُ أن تدفعَ عن نفسكَ تهمة "التحرّش" و"السّرقة" و"الإرهاب"، دونَ أنْ تُشيرَ بإصبعكَ إلى مواطنٍ آخر من غير جنسيّتك أو بلدك.. وتستطيعُ أن تقنعَ مَنْ حولك بأخلاقك النبيلة، دونَ أن تسبَّ بلداً بأكمله وتشتمَ أهله، فالغرب نفسه لم يُلقِ من التّهم، ما ألقيْتهُ أنت على من يشاركك في الدين والهويّة..
لِيُقدّم كلٌّ منّا الصورةَ التي يرغبُ في تقديمِها عن نفسِه، بعيداً عن جنسه ودينه وعِرقه وهويّته، فالتاريخ كما الغرب، يتأثرُ بمَن يهدمُ ويبني على حدّ السّواء، ولا تكتُبُ صفحاتُه إلّا أسماءَ من أساءوا أوأحسَنوا.. وتذكر قول المفكر (عبد الكريم بكار):
"إنّ التعميم المفرط من أكثرِ أخطاءِ التفكيرِ شيوعاً، وذلكَ بسببِ عجزِ معظم الناس عن إصدارِ أحكامٍ مبنيّةٍ على رؤية تفصيليّة مُنصفة".
كونوا أصحابَ رؤيةٍ "مُنصفة" حتى لا يأتي عليكم زمان تسمعونَ فيه أحكاماً مُجحفة بحقِّ بلدانكم وشعوبكم، فَيُصبحَ لِزاماً عليكم حينها، أن تقدّموا اعتذاراتٍ باسم غيركم لتدفعوا عنكم التّهمة..
وإن كُنّا قد وصلنا إلى هذا الحال.. مع الأسف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.