الهمهمة القادمة من القبو

"أناديك، قُم يا محمد"، حزينٌ ومغبر، لقد لفعتكَ هذه الأرض مرارًا، عانى جدّك من شظف العيش والعطش، وتعاني أنت من شظف الحرية، علّمت الشمس جبينك، وعلّم الخوف تصرفاتك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/25 الساعة 08:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/25 الساعة 08:13 بتوقيت غرينتش

"أناديك، قُم يا محمد"، حزينٌ ومغبر، لقد لفعتكَ هذه الأرض مرارًا، عانى جدّك من شظف العيش والعطش، وتعاني أنت من شظف الحرية، علّمت الشمس جبينك، وعلّم الخوف تصرفاتك. أرضك القاسية، ستقتلك بضربة في الرأس لو انكشفت لشمسها ساعات، ستأخذك سيارة إسعاف، إلى مشفى يذكرك "بنكبات الأيام"، الممرض الذي كان لا يذاكر جيدًا أيام الدبلوم، سيقتلك بجرعة زائدة، وستجيء عنوانا صغيرًا معتادًا في جريدة مملّة، لن تقوم القيامة لزلة موتك. مواطنوك طيبون بالجملة، لا يرفعون أصواتهم بشدة. يرفعون أبواق سياراتهم بإسراف فحسب.

" والقيظ لفّ عباءته حول صدركَ، حتى ترمّدْ، فقم يا محمدْ"، أو، أو لا تقم حالا، صُبَّ قدحا من الشاي، فالوقت مغرب، "يا أبيض القلب، والأفق أسود" تمهّل، المدى عسكر. تريد تغيير الموضوع؟ أنا أريد، الشعب يريد ذلك. الطبيب النفسي يجب أن يتفهم كذلك. على أية حال، لم يرتو سيد البيد، لم يسكب له ذاك الوطن المنتظر، الذي "يدير الرؤوس"، ريثما ننتظر ذلك، "هات الربابة" يا محمد، "هات الربابة".

أنت مقهور مقهور، لكن لا تنبس، قالت أمك لا تذهب إلى السجن، وأنت لم تخطط مستقبلا يرزح بالسجن. أنت طير، يحلم بكل الأرض مرعى لجناحيه، طير لا يعرف عن حدود أنظمة العوائل وبقايا الاستعمار، قلت أنك لن تذهب، أنت مواطن لطيف، يشرب الحليب، ينام مبكرا، ويؤدي واجباته بعد موعدها، بقليل. لم تنوِ السفر لطواحين هولندا، كنت تريد الجلوس على كبوت سيارتكم، بعد المغرب -لا أدخن- مع أبناء الجيران، مع قارورة بيبسي.

لكن لم يحصل، لأن الحارة ستصاب في عرضها، والجار يضع ساترا يسد السماء والحكايات والمآذن. كتبتَ على طاولة المقهى: ثورة. وشوهتَ نقشا عليها لعلم إسرائيل. عدت بعد يومين، وجدت وسامةً تقرأ. وأبدا، لم تخب ثورتك. إلى الأمام أبدا. لا نكوص على عقبين، لا مكان للاختلافات الشخصية. والانشقاق حيال قضية، ونصف قضية، ليس مسوغا للتباعد من أجل مائة قضية عادلة أخرى، وحّد صفوفك ، صفوف اليقظة الباقية، تلقاء الجبهة، أعني جبهة إشاعة النور، واحمل سلاحك، بالطبع، بالطبع سلاح المعرفة، لكل الظّلمة، لكل التعكّر، لكل الزّيف، لكلّ ما تلمس قلبك، وتعرف أنه غير حق، غير خير، غير جمال.

"قم يا محمد"، ستجيء، ستطلع، ستقوم من الآرائك، وأقسمْ بأقدس أقداسك؛ بربّ ثرى فقيدك الطاهر، وربّ صبرٍ في السجن من 9 سنين ما التوى، ما خزى، ما نكث، ما تذمر، ما نكص، أنك ستقوم. نون من ساوند كلاوند، ألف من المكتبة، ياء من الفيلم، عين من ألعاب الفديو، ألف من حاسبها، ستطلعون كالليل، مخيفون، كشجرة ترقص بالريح، جادّون، كمشاجرة أطفال، شرسون، كسكّين من بلاستيك، ترفعون الرايات والروايات والأعلام البيضاء والمكانس والأحذية والنكت، وستكون حكاية حزينة، ناضحة بالدمع.

ستهدّد دبابة تجمّعكم، أيها الضائعون المشرّدون، ولتلويحة ذراعيك المتعبتين، ستطرحك أرضا خراطيم مياه نفاثة. تخاف الحكومات كل الخوف، من أن تبزغ فكرة شجاعة صغيرة في رأسك. ولهذا الصدر البشري؛ المليء بالأحلام والذكريات والحبّ والأغاني، ستجيء له رصاصة مدفوع فيها دخلك القومي، مستوردة من أمريكا، أطلقها عليك ابن عمك، لتخرقك، رصاصة واحدة، لتنسفك جثة بالشارع، المئات منك، لن تحدث معجزة نبوية، لن تطير أحلامك، لن تتبخر لقلوب أصدقائك حمائم سلام، مدافع نضال، لن يقف الغرباء لدمك، لن تأرق المدينة كمدا عليك. سينزف دمك سيلا، ستشربه المجاري بسرعة، تلك نفسها الفاسدة، التي اعتادت لفظ المطر. واستلقاءتك المأساوية ستغدو صورة لصفحة أولى، المحرر سيبيعك، بأسرع مما تتصور، سيوافق على عنوان يصفك بالخائن والمجرم والمنشقّ، سيبعيك لأجل راتب جيد ومنزل ملك وتأمين صحي لكل العائلة، محمد، إنك أرخص بكثير من كل هذا.

وسيجيء الخبر لأمّ محمد، وستفتح الباب وتنهار، وستندب وستبكي عميقا أم محمد، ولن تعرف النوم، ولن تعرف الحياة مجدّدًا، وستربت الجارات كتف أمّ محمد، كان ولدا طيبا، تشهد الحارة، وصديقه عامل البقالة، إنما تهوّر، تغيّر محمد، غسل عقله الأشرار. وستنتهي عبرة ودرس للأغرار. ولن يحدث الوطن الأخضر، هناك كل العنف المتطور، لتذويقك جهنم. هناك كل الأشياء الكافرة ضد إيمانك. إيمان أيها العالم، إيمان. الله أكبر. يسمع الإمام لمن لا يحمده، سيجيؤك العسكر، فهل تقوى؟

لا تجب، الأمر معقّد، أنت تعرف، لنشتت الموضوع قليلا. أنت تقوى ل 6 كيلوات من الركض، تقول القاعدة: ابدأ بدقيقتين مشي، ودقيقة ركض، على التوالي، حتى يشتد عودك، وتشد عضلات وعيك، بعد أسابيع معدودة، ستركض طويلا بأفكارك الصغيرة، التي ستصير كبيرة يوما، لا تتعب ولا تملّ، ولا تلحقها قوات الدرك. لا تقتنِ بروتين باهض. جي ان سي يبالغ. التونا بديل جيد يا صديقي، يشبه غلابتنا، وحفنة مكسرات، وأن لا تبجّل للظلمة أبدا، ارفع يديك عشر مرات للسماء، الحمل ثقيل، لا تتوانى، قهر الأجيال أثقل، ارتح لعشر ثوان، لا تُمعن بالتمدد، وافعلها مجددا، وافعلها أبدا. اشرب الكثير من الماء، سيغور الماء من أرضنا، إنه يُهدر. من غير المؤكد أن يبقى منه زوادة عذبة للمعان عيني طفلتك. ما كونته الصحراء بصبر عتيد لمئات السنين، يهدر الآن في ظرف حفنة من عقود.

"قم يا محمد"، لم تجىء. جاء الأبناء المدللون، لكبار موظفي الحكومة وتجارها، الشبيبة التي لم تتعب، لم تكل، لم تجد، لم تسعَ، لم تحمل الملف الأخضر، ووصلت لكل شيء، بلا حزم، بلا عزم، التي تكتب "ماجسيتر من أمريكا، كاتب، مدير مركز فراغ لفعل لا شيء يُذكر على أرض الوطن. الناعمون، الذين يضعون صورة لنسيم باريس يداعب خصل شعورهم اللامعة. تقدم هذه الطبقة على أنها نخبة الشباب والنجاح وريادة الأعمال، الفتية التي لا تصمد طويلا أمام "ها أنا ذا"، وحقيقة كل ما في جعبتها "كان أبي".

"قم يا محمد"، لم تجئ. جاء نجوم سنابشات، جاء من يدعو للصمت الذكي، مقابل الكلام الغبي، الذي يُلقي بك "في غياهب الجب"، لا احتياج للغة الرمزية هنا، الجميع يعرف عن هذا بفصاحة. هناك مناضلون، وهناك غير مناضلين. لا عار مبدئيا في ذلك. العار أن تتذاكى، أن تستعرض تقية، الجميع تلقائيا يمارسها، تحت الأنظمة الديكتاتورية. العار أن تضفي مسحة دهاء وكياسة لجبنك. ربما كان مجديا لسيرة النضال للعالمي، بقاؤه تاليا ملخصات البحوث العلمية، مستعرضا يومه الأمريكي الملون، للجمهور ذي الأيام ذات اللون الواحد.

تخيفك كمية الخوف في هذا الكوكب. هناك الأفاعي والعقارب والعناكب السامة والأحراش المظلمة وذات الأنياب وأقبية الحكومات، فانفد بجلدك. الأرض مثكلة بالحزن والظلم والجوع. "فقم يا محمد"، قم واقفا وحي أخوة جلدك، من أجادوا الوقوف طويلا، مَن كبّروا لله ولحرّيتك، من تنساهم، أو تتناساهم، لا فرق، طالما كانوا شموسا صابرة في الزنزانة، الذين دوخوا ليال المستبد، من الإقدام. "وقالوا سلاماً على الناسِ، محترقين مضوا، ليضيئوا منازل أولادهم"، سيُقال ما الجدوى لحرق العمر في زنزانة، سيُقال ما وراء الشمس مكان خاسر، والحياة خارجه ربح جليل، سيقال شعب لا يستحق التضحية، سيقال لم يكن الأمر سيئا لهذه الدرجة؛ تعليم مجاني وحروب بالمجان، ومشاريع قادمة وشوارع مضاءة، وإنْ تكف لسانك ستعش سليما، فلمَ المواجهة مع من ليس ندّك، إنكَ مخلوق صغير، ولا ينطوي فيك العالم الأكبر.

الكذب حالك ومسيطر، يكذبون كما الشيطان يا محمد، عن الحال والمآل والقرارات الحكيمة. ما عندك أحد يا محمد. الوضع مهدد وضبابي، ولم يتم التدارك، ولا الاعتذار عن كل التفريط الذي حصل. حكماء أرضك، في ظل هذه الظروف، يصبحون بومة متطيرة: "لقد حذرت، لقد سبق أن قلت". تصبح همومه صغيرة، لا قيادة المجتمع، لكن إثبات حصافته ويماميّة عينيه. هذه الأرض تقلّصك، تخلص عليك. لا يمكن للعضب اليماني ولا البسالة ولا الفرسان ولا الحِكمة ولا إنباء الكتب فعل شيء الآن، يتحصّن الأوغاد الآن بالتجاهل والعتاد والثراء والحديد المسلح. هذا زمان إسرائيل.

"أناديك، قم يا محمد"، أو لا تقم حالا، أنت تعرف، لا تحتاج لفعل أمر آخر، إنك مقسور على الكثير منها، في قرارة قلبك، هناك في أصفى نقطة في كونك، هناك حيث تُكذّب كل العالم، وتصدّق نفسك، تعرف أنه عليك أن …"عفوا، الموقع المطلوب غير متاح، إن كنت ترى أن هذه الصفحة ينبغي أن لا تحجب، تفضل بالضغط هنا".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد