عندما تُصغي السمع إلى مداخلات السيدين "أحمد الزايدي" و "عبد الله بها"، -رحمهما الله رحمة واسعة-، ينفذان إلى قلبك في الحال، كلماتهما تنطوي على حكمة، توجههما إلى حيث مصالح الناس، فكرهما ينبعث من بالٍ هادئ يقول لك: المغرب بخير طالما هناك خطوات، و لو بسيطة، نحو الإصلاح، من النادر أن أسمع إلى سياسي يقول بالاستقرار و يعني به الإصلاح المتدرج، تقريبا كلهم يريدون "الركود" بكلمة الاستقرار.
لحن قولهم، عيونهم، تقاسيم وجوههم، كلها تُشي لك بنوع من اللاتوافق بين ما يقولون و بين العلائم اللائحة في هيئاتهم.
لاحظ بذكاء رئيس أمريكي أسبق، لعله إبراهام لينكولن أن رجلا من رجال الدولة اقترح عليه واحداً من الأعيان ليكون وزيراً، فما كان للرئيس أن رفض استزواره قائلا : "قسمات وجهه تقول لي أن هذا الرجل فيه قدر من الشر لا يستهان به" ففوجئ الرجل برده و قال مستغربا:" و هل قسمات الوجه تؤثر في الكفاءة و الحنكة يا فخامة الرئيس؟" فأجابه الرئيس الأمريكي : "المرء منا يختار قسمات وجهه قبل الأربعين".
هذا يعني أن ما في الداخل ينعكس في الخارج، و ما يسري في الوجدان من عواطف، و ما يختلج في الصدر من أحاسيس، و ما يدب في القلب من شعور حيال الآخر ينعكس بجلاء على الوجه.
علماء الطاقة، كالسيدة "لين ماكتاغرت"، التي كتبت و لازالت تكتب بغزارة في هذا المجال الإنساني، يَعُونَّ هذا الأمر جيداً و يحاولون التعريف به حول العالم.
هذه المقاربة يمكنها أن تساعدنا في تقييم نظافة و رشد واقعنا السياسي.
باستثناء القلة القليلة، أرى للسياسيين قدرة عجيبة على الانبعاق في الكلام فور سماع ما لا يعجبهم من مسؤولي حزب ما، و إمكانية غرائبية على تسريع صبيب الكلمات في الثانية حينما يلوح اختلاف مهما كان، منهجيًا أو مسلكيًا، في الأفق مع أحد السياسيين؛ لدرجة اختلاق علاقات وهمية بين أحزاب و تنظيمات متطرفة.
ما خطبهم إذ ينحون هذا المنحى ؟ ما مَرْمَاهُمْ الأبعد ؟ تشويه صورة حزب في أعين الناس لإنقاص فرصهم في الفوز بالانتخابات مثلا ؟ حمل الناس على مقت الآخر الذي يختلف معهم ؟ من يحاول اليوم التوافق مع الناس و جمع شتاتهم ؟ من حكماء الساسة المغاربة اليوم ؟ قلّ أن يظهروا وعزّ أن يُروا إلا في كتاب أو تحت التراب.
الشعب المغربي إذن هو متشبث بالملكية كنظام، عليه أن يختار لجنة حكماء مكونةً من أكثر الساسة قدرةً على الثبات في المواقف الصعبة، و أمكنهم لياقة في تلطيف الأجواء، و أوسعهم قلبا على تقبل الأفكار.
تبادل الرؤى داخل الحقل السياسي، و ليس حوله، أصبح ضرورة لشعب يريد التحكم في مصيره.
يقول مثل فرنسي : "البذور الفاسدة لا تضر النبات الطيب، و لكن من يفعل ذلك إنما هو تجاهل الفلاح".
السياسة، لازلت مُصرًّا، مشهد يبقى تغييره و إعادة كتابته بأيدي أي شعب عظيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.