الحبّ .. أولاً وثانياً .. وأخيراً

لننشر الحبّ كما أُمرنا بنشرِ الابتسامة، علّ ذلك يحمل لنا أجراً في جعل وجه الأرض يشرقُ بابتسامةٍ من جديد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/21 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/21 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش

مهدُ العلاقاتِ السّليمة، وباعثُ الجمالِ في كيانِ العال، تتآلفُ فيه القلوبُ وتتألّق، وكلّما ارتفعت وتيرته واشتدَ عوده، لمستَ في العيونِ لمعةً يعيها العُشَّاقُ على تنوعِ مشاربهم، لا قرارات سياسية، أو قبلية، أو عشائرية، بإمكانها الصمودُ في وجهه، فهل يوجدُ أقدر من الحبِّ على ذلك؟
تمارسُ الطبيعةُ الحبَّ على الدوام صراحةً لا خُفْيَةً، كأنّها تلقننا درساً يومياً، فإذا ما تنفَّسَ الصبحُ وألقى أولى حبائلهِ على الأرضِ فإنه يلقي معها تميمته في قلوبنا "إليكمُ البدايةُ الجديدة، فاغتنموها"، فتنتعشُ الرّوح من جديدٍ وتسعى لما خُلقت له، لذلك لا تتعجبْ من أولئك الذين يقصدونَ النهوض مبكراً ليحتفوا بظهورَ الشمسِ كنجمةِ سينمائية، أولئك يشعرونَ بانعكاساتِ وتجلّياتِ لحظات الشروق، فتراهم باسمي الثغر، وضائي المحيا، فتشعر وكأنّ للحب هالة تحيطُ بهم وترعاهم.

لا يتوقفُ ذلك عند حدود الصباح، فالليلُ هو مسرحُ الحبِّ ومسكنه، ليلُ العاشقينَ.. المهجورينَ منهم والموصولين، وحتى وإنْ كنتَ وحيداً سيُشرِكُ القمر نفسه عنوةً في وحدتك، يقاسمك إياها ليريك أنّكما أصبحتما معاً مع جوقة من النجوم تَلمعُ في كلّ مرة رافعة قبعتها للساهرين.

وبعيداً عن البشر، لا يتركُ الكونُ الحبَّ لثانيةٍ واحدة، فما تزالُ الأسماكُ تموتُ حينَ تفارقُ المياه، ولا زالَ النهرُ وإن طالَ يرمي بحِمله على البحر، ولا تزال حبَّاتُ المطرِ تطهرُ أرضاً نُشبعها من قسوتنا، والنملُ يبقى عاكفاً على العملِ بروحِ الفريق الواحد، ويظلُّ الموجُ يلامسُ الشُطآنَ ليزيل آثار تخريبِ البشر لها ويعيدها سويّة كما كانت، وتستمرُ القريةُ الصغيرةُ متكئةً على كتفِ أحد الجبالِ بأمان.

نعيشُ في طبيعةٍ تنبض بفعلِ الحب, ولكنّنا لم نكتسبْ منها شيئاً, أعرضنا عنها ليظل الوجدُ يصارعُ قلوبنا و نخشى التلميحَ به أو التعرضَ له، نريدُ لهُ أن يبقى ناراً تتأججُ في دواخلنا، وثلجاً أمامَ أبصارِ الآخرين، هذا عن عنادِ المتحابينَ وكبريائهم.

أما الذين يجمعُ بيننا وبينهم الإعجابَ فنضمرُ لهم من الحب أكثر مما نظهرْ, ونخبئه في صندوقٍ له قفلٌ لا يظهرُ لهُ مفتاحٌ إلا عندَ وفاتهم، فنبدأُ المراثيَ والبكاء والحديثَ عمّا نكنه لهم من التقديرِ وعن أثرهم في حياتنا، فنحنُ جبناء أكثرَ من اللازم وغير قادرينَ على مواجهة الأحياءَ وتقبّلِ ردود أفعالهم، محتفظينَ لأنفسنا بالحديثِ لأمواتٍ لا يملكونَ من أمرهم شيئاً.

قد يكون الحبّ لشخصٍ أو شيء ما، لحيّ أو بلدٍ أو لكنة معينة، قد يكون لتخصصٍ محددٍ أو لموسيقى بعينها دون أخرى، وقد يكونُ الحبّ لتفاصيلِ عملٍ أو لطريقةٍ في تنفيذِ أي شيء، ليس للحبِ إطارٌ أو شكلٌ محدد دونَ غيره، وليس لهُ دليلُ استخدام كي نشرعَ في قراءته والعملِ به.

هو الإحساسُ الذي لا يُفسر، والسعادةُ دونَ محاولةٍ لمعرفة السبب، وهو القناعةُ أنّ في القلبِ مجهرٌ يرى الجمالَ فيما يختار.

فكم ستكونُ الحياةُ أجمل لو كان الحبُّ حاكمها، والاعترافُ به قاضيها، والعملُ به ديدنها، والاستمرارُ به مسعانا؟ سأخبركْ… لو كانَ ذلك، لن يكون هذا الكوكب كما هو عليه اليوم.

لننشر الحبّ كما أُمرنا بنشرِ الابتسامة، علّ ذلك يحمل لنا أجراً في جعل وجه الأرض يشرقُ بابتسامةٍ من جديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد