كيف تتحكم الأمثال الشعبية في بناء شخصيتك؟

تبقى ثقافة المثل الشعبي والقولة السائدة والرائجة تتأرجح بين الجوانب الإيجابية والسلبية، وثرات متغلغل في المجتمع لا غنى عنه تفتخر به جميع الأمم، وبشكل أخص الدول العربية التي تجتمع في حب كل ما هو أصيل وأصلي ومتجذر في الهوية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/21 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/21 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

الأمثال الشعبية هي حكم وأقوال مأثورة، مجهول قائلها والفترة الزمنية التي قيلت فيها، وهي قول موجز، محكم البناء، قوي الأثر في النفس، يقوم مقام الحجة والبرهان، تتناقله الألسنة، وتتوارثه الأجيال، عن طريق تكراره، ويُلفَظُ بصيغته المعروفة والثابتة دون تغير، يدخل ضمن الثرات الشعبي للأمم، وله استعمالات مجتمعية عديدة في شقه الشعبي، هو أداة ناجعة، للرد، والتعليق، والتعقيب، وإسداء النصح، واستجلاب الحكمة، ويتعدى ذلك ليكونَ سلاحًا للتهكم والسخرية والمناوشات اللفظية.

أغلب الأشخاص يعتبرون أن المثل الشعبي والقولة السائدة ظاهرة صحية لها إيجابيات كثيرة، لكن إن سألت عن السلبيات فأغلب الظن سيضيفون لك علامة استفهام أو تعجب فوق سؤالك، وهل للثراث الشعبي سلبيات؟!

لا أحد يفكر في مدى أثر بسيط الكلام على النفس البشرية وتوجهاتها العقدية والفكرية، والدور المهم لهذه الأمثال والقولات الشعبية في بناء الشخصية وأنماط الوعي.

بسيط الكلام من الحكم والأقوال والأمثال الشعبية قادرة على تصدير أيديولوجية خفية لا تكاد تعرف، وخلق اضطرابات نفسية، وتربية عُقَدٍ تلازم مجتمع بأكمله دون معرفة ماهيتها على وجه التحديد…فقبيلة الصلع لا يرون للشَعْرٍ حاجة!.

في بلدي الحبيب وأحسب أن جميع البلدان العربية نفس الشيء تجد الرجال لا يبكون ويعتبرون البكاء نقص رجولة، وهذا ناتج عن الأقاويل السائدة، والأمثال الشعبية التي تصب في تعزيز هذا الرأي، فمن منا لم يتهادى إلى مسامعه: "الرجال لا يبكون" أو "تُهْدَمُ الجبال ولا يبكي الرجال".

نصنع بهذا رجالًا قلوبهم من حجر لا يستعذبون البكاء بقدر ما يفجرون كبت هذه القيمة بالغضب والعصبية الزائدة على الأهل والزوجة والأبناء.

"الفتاة ليس لها إلَّا الزواج وتربية الأولاد"، هذا القول لشدة تكرار لفظه أصبح ذا مصداقية عند بعض أولياء الأمور، ووبال على كل فتاة تحلم بأن تكون فاعلة في المجتمع وتُبْرِزُ ما تزخرُ به من طاقات، ومؤهلات، وتساهم في نهضة المجتمع.

تجد بعض الأباء سامحهم الله يخرجون بناتهم من الدراسة ويزوجنهن دون موافقتهن، أو استئدانهن، أو الخاطب الذي يشترط جلوس الزوجة عن العمل، والتفرغ له، ولأشغال المنزل، فهو لا يحتاج سوى مَن يملىء معدته، ويقوم بتدفئة فراشه!.

"الرجل لا يعيبه سوى جيبه"، وهذا المثل الشعبي أكرهه بشدة حينما أجد الفتيات يتشدقن بتلاوته على فحول الشباب الفقراء، أو يَتَغَنَّ به رجل غني بينه وبين الجمال سنة ضوئية و يأخذه كحجة دامغة يتجرأ بها على شراء زوجة آية في الجمال بماله.
القُبحُ ليس مذموم لكن التطاول على الجمال ظلم في حقه فكما اشتهيت الجمال فالجمال بنفسه يشتهي ما يعادله…ألبس قدك يواتيك!

"في اليوم الأول يموت المش (القط)" "تمسكن حتى تتمكن" أقوال ما بين العلاقة و الارتباط هدمت صرح الود قبل بنائه، حيث المتشبع بثقافة التمسكن حتى التمكن، يعامل الشريك بكياسة وصبر بال إلى أن يتم الميثاق الغليط، بعد ذلك من يومه الأول يحاول قتل المش! وفرض سيطرته، والتعرية عن مساوئه، وإظهار قبح نواياه، وحدث ولا حرج.

هناك أمثلة شعبية وأقوال سائدة كثيرة في المجتمع لا تعد ولا تحصى ولا نلقي بالًا لما تبثه من أفكار سلبية لا نستطيع التعرية عنها بالكامل في مقال واحد.

فقط يجب إلقاء الظلال على التفكير في باطن الكلمات، ومعرفة حيثياث الكلام الشعبي المتداول قبل تداوله كي لا نكون كمثل من يتقن الحديث بإحدى اللغات ولا يعرف نحوها أو كالكتابة بها.

الأمة الشاطرة والتي صارت في درب التقدم هي أمة فطنت لهذه الإشكالية المبهمة، وأخذت تُوظف بسيط الكلام الإيجابي وتجتهد في معرفة سبل إقحام تداوله وتعميمه، وسحب كل ما هو سلبي وله أثار على الإيديولوجية الشعبية.

شتان بين أمة اليابان التي جعلت الأساتذة كمثال يخبرون الأطفال
مقولة مفادها: "نجاح اليابان رهين بنجاحك وتفوقك".

وأمة اقرأ التي يخبرك فيها بعض الأساتذة سامحهم الله أنه سيتلقى أجرته الشهرية سواء قرأت أم لم تقرأ الأمر ليس مهم، المهم أجرة آخر الشهر هناك فواتير يجب أن تدفع!

تبقى ثقافة المثل الشعبي والقولة السائدة والرائجة تتأرجح بين الجوانب الإيجابية والسلبية، وثرات متغلغل في المجتمع لا غنى عنه تفتخر به جميع الأمم، وبشكل أخص الدول العربية التي تجتمع في حب كل ما هو أصيل وأصلي ومتجذر في الهوية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد