عانى المجتمع المصري خاصة والمجتمع الدولي بصفة عامة من متشددي أي دين، فمنهم تولد الارهاب الرافض للآخر، ومنهم انبعث الفكر المتطرف الذي يريد أن يسيطر على الآخرين ليس بإقناعهم، ولكن تحت الضغط والغصب والارغام، فنجد المتطرفين دينيا وفكرياً هم عبارة عن سلاح ذو حدين، يعتبر الآخرين خارجين عن الدين "كفار" يجب دعوتهم بكل الطرق إلى ما يعتنق هو من فكر سواء بالدعوة الملحة أو الارغام أو الضغط النفسي والمجتمعي، والوجه الآخر يعتبر قتل كل ما لم يمتثل لدعوته الدينية المتشددة الذي يعتبرهم يستحقون أن يكون هو نفسه قنبلة موقوتة تنفجر بهم في عملية استشهادية مؤمن أنه سيجد حور العين في استقباله في الآخرة كأعظم ثواب لقتله نفسه في سبيل قتله لبعض من الأشخاص الرافضين لهداه ودعوته!
كل شيء إن زاد عن حده انقلب ليكون ضده، فنجد كل متدين تشدد لدرجة أنه يكفر الآخرين المخالفين لما يعتنق من إلتزام قد يكون لا يقدر عليه الكثيرون فيصبح متطرف الفكر والدين والفعل فيصبح "إرهابي".
وكل من ظنت أن الحرية في أن تنتقد تعاليم دينها، وأن تعبر عن رفضها لما في الدين من إلتزام في الملبس"كالحجاب"، والتقيد بتشريعات الدين كالمواريث "للذكر حظ الأنثيين مثلا"، تعتبر ذلك حرية إطلاق الفكر في التحكم في السلوك دون روابط للدين وإلزام من الله لها!
من هنا يتولد الانحلال، حين نرفض إلتزام الآخر برغبة ملحة ضاغطة منا لنجعله يماثلنا في التحرر المرفوض من معظمنا كمجتمع أصبح رافض للآخر ومجحف لحقوقه المغايرة لنا في الدين و الفكر والإلتزام.
حملة "امنعوا النقاب" هي قنبلة تمييز وعنصرية وتقيد للحريات، تُزرع تحت مرأى رجال الدولة والدين!
فالحرية في أبسط مفهوم لها أنت حر ما لا لم تضر، وحريتك تتوقف عند حدود حريتي.
لا ننكر أن استغلال الدين منذ سنوات قد لاقى استحسان لدى طبقة المجتمع البسيطة في التفكير والتعليم وضيق ذات اليد والأهم لدى الطبقة المتدينة بسطحية والمعتنقة للتدين بسذاجة، والتي لا تعرف عن دينها سوى الصلاة وطاعة أولي الأمر المتمثلين في شيوخ قليلي المعرفة الدينية، متشددي الإعتناق إعتقاداً منهم التشبه بعصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فنجد إمتثال الكثيرات من المسلمات لفريضة الحجاب ومنه لإرتداء النقاب، إما رغبة حقيقية في التدين واتباع تعاليم الدين، وإما تعتبره المرأة ستار تتوارى خلفه من أعين المجتمع المقيم للمرأة بما ترتديه وليس بما يكمن في قلبها من إيمان، أو في رغبة للحفاظ على نفسها من التحرش الذي ساد المجمتع في غياب الدين والأخلاق، أو قد يكون إدعاء تدين من تجار دين يستميلون من خلاله غيرهم من البسطاء في انتخابات أو تجمهر أو شحذ نفوس ضد شخص بعينه، أو مزايدة رخيصة على تدين بعضنا على البعض الأخر، ولا نغفل عن الفكر الوهابي وما يحمله من تشدد فكري وديني المصدر لنا من الخارج والذي دخل حياتنا الدينية المعتدلة مع العمالة المصرية في الخليج .
بعد ذكرنا لأسباب عدة للنقاب نتسائل: لم التعميم!
ولما نضع كل المنتقبات في خندق واحد ونريد اشعال النار بهم اعتقاد ظالم من المتحررين أنهم يمارسون حريتهم في إقصاء الآخر بكل عنصرية وتمييز لا يتوافق مع دعوتهم المستمرة للمجتمع في تقبل تحررهم الفكري و المظهري أيضاً!
عارض وزير الداخلية الإيطالي " ذو الفكرالغربي التحرري و العقل المتحضر والوعي الكامل بالحريات لجميع أطياف شعبه" حظر ارتداء المرأة المسلمة في بلاده الحجاب معللا: السيدة مريم العذراء هي المرأة الوحيدة المذكورة بالاسم في القرآن، وهي أقدس إمرأة عرفها التاريخ وكانت محجبة فكيف أمنع الحجاب في إيطاليا!
من هنا نبدأ، فهذا الرجل الأوروبي المتحرر المسيحي رافض لتقيد حرية المرأة المسلمة المغايرة له في الدين في فرض عليها ما يجب أن ترتديه وما يجب أن تخلعه، وهنا في المجتمع الشرقي المسلم "المتدين بطبعه" نجدهم يطالبون من خلال حملة مقززة لمنع النقاب لجعلهم أكثر ارتياحاً في تحررهم!
مدعين أنها مصدرالفكر الإرهابي والتطرف الديني!
كان لهم من باب أولى أن يشنوا حملة ضد التحرش، التدني الأخلاقي الإعلامي, العري ..إلخ، من مظاهر تحررية تتنافى مع المجتمع والدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء.
سيدتي المتحررة كوني قدوة لغيرك من المنتقبات والغير محجبات في تقبل فكر الآخر، واحترام فكرهم وطريقة اتباعهم لدينهم، وثقي أن التحرر الفكري ليس معناه التحرر من الملابس، وأن النقاب خلعه أو ارتداؤه لا يعبر بالضرورة بسلبيه عن من ارتدته أو من خلعته، تحرري من إحساسك أن المنتقبة تمثل لك تأنيب ضمير لتحررك المتبع منك دون إدراك لفكر أو أخلاق أو دين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.