أقرّ النواب البرازيليون بأغلبية ساحقة الأحد إجراءات إقالة ديلما روسيف من قبل مجلس الشيوخ في تصويت تاريخي جرى في أجواء من التوتّر الشديد، يمهد الطريق لإقصاء الرئيسة اليسارية التي يفترض أن تلقي خطاباً الاثنين.
وأصبحت روسيف التي دخلت التاريخ في 2010 كأول امرأة تنتخب رئيسة للبرازيل، في وضع حرج جداً إذ يكفي أن يصوت أعضاء مجلس الشيوخ بالأكثرية البسيطة بحلول 11 مايو/أيار لمصلحة إقالتها من أجل توجيه التهمة إليها رسمياً وإبعادها عن الحكم لفترة أقصاها 6 أشهر في انتظار صدور الحكم النهائي بحقها.
وعندها سيتولى نائب الرئيسة "ميشال تامر" الذي كان حليفها في الحكومة وأصبح خصمها، السلطة ويفترض أن يشكل حكومة انتقالية.
وتامر رجل الدولة المعروف بتكتمه، يفتقد إلى الشعبية مثل روسيف وبالدرجة نفسها. وتهز حزبه الوسطي الكبير الحركة الديموقراطية البرازيلية على أعلى المستويات فضيحة الفساد في بتروبراس. وقد ورد اسمه بين المتهمين الكثر في هذه القضية.
وأقر الإجراء بموافقة 367 نائباً، أي بزيادة 25 نائباً على الثلثين (342 نائباً) المطلوبة للسماح لمجلس الشيوخ باتهامها. وصوت ضد الإقالة 137 نائباً معظمهم ينتمون إلى اليسار واليسار المتطرف. وامتنع 7 نواب فقط عن التصويت بينما تغيّب 3 آخرون.
وما إن بلغ عدد الأصوات المؤيدة للعزل 342 صوتاً حتى انفجر نواب المعارضة اليمينية فرحاً وتصفيقاً وأنشدوا نشيد مشجعي المنتخب الوطني في كرة القدم خلال مونديال 2014 "أنا برازيلي بكثير من الفخر وكثير من الحب".
وقبيل ذلك أقرّ زعيم كتلة نواب حزب روسيف حزب العمال جوزيه غيمارايس بأن الهزيمة باتت محتومة ولا مفر منها، ولكنه أكد أن خسارة المعركة "لا تعني خسارة الحرب".
وقال غيمارايس للصحافيين بينما كانت عملية التصويت مستمرة لكنها تميل لمصلحة المعارضة، إن "الانقلابين انتصروا هنا في المجلس" ولكن هذه "الهزيمة المؤقتة لا تعني خسارة الحرب".
"أميون سياسيون"
وتتهم المعارضة روسيف المناضلة السابقة في عهد النظام الديكتاتوري (1964-1985) وعضو حزب العمال، بالتلاعب بالحسابات العامة في 2014 العام الذي أعيد فيه انتخابها، وفي أوائل عام 2015. لكن روسيف تنفي ارتكابها أي جرم "مسؤولية".
وفي حال أقرّ مجلس الشيوخ إجراء الإقالة، ستنضم روسيف إلى "فرناندو كولور دي ميو" الرئيس البرازيلي الوحيد الذي أقيل وذلك بتهمة الفساد، في 1992.
وأعلن "جوزيه إدواردو كاردوزو" مدعي الدولة الذي يدافع عن روسيف أنها ستلقي خطاباً الاثنين. وقال إن "هذا التصويت يشكل فضيحة لن يثنيها (…) ستكافح من أجل ما ناضلت دائماً لتحقيقه أي الديموقراطية ضد الديكتاتورية".
وشهدت الجلسة التاريخية لمجلس النواب مشادات وتبادل شتائم منذ افتتاحها وسط هتافات معادية من نواب اليسار، من قبل رئيس المجلس "إدواردو كونا" العدو اللدود لروسيف والمتهم في إطار فضيحة شركة النفط العملاقة بتروبراس.
وتحدث نواب اليمين ويمين الوسط عن "تطهير البلاد من الفساد" والتخلص من "حكومة لا تتمتع بالأهلية تقود البرازيل إلى الخراب".
ورد النائب اليساري المتطرف جان ويليس وصف هؤلاء "بالحثالة". وقال "أشعر بالعار من مشاركتي في مهزلة هذا الانتخاب غير المباشر الذي يقوده لص (في إشارة إلى كونا) ودبر خائن متآمر (تامر) ويدعمه جبناء وأميون سياسيون وأشخاص باعوا أنفسهم".
"غير المؤهلين في مواجهة المنافقين"
وتشهد البرازيل التي تضم 200 مليون نسمة انقساماً حاداً حول هذه الأزمة التي تشلّ هذا البلد العملاق في أميركا اللاتينية بالتزامن مع فضيحة فساد هائلة وانكماش اقتصادي غير مسبوق.
وفي برازيليا تجمع حوالي 53 ألف برازيلي يؤيدون الإقالة و26 ألفاً من أنصار الرئيسة، يفصل بينهما حاجز معدني كبير، لمتابعة نقاشات المجلس مباشرة على شاشات عملاقة.
وما إن أعلنت النتيجة النهائية حتى بدأ أنصار الرئيسة بالانسحاب من المكان وقد بدت عليهم خيبة الأمل.
وكانت شعبية روسيف تراجعت في 2015 إلى مستوى قياسي بلغ 10%، ثم سجلت تحسناً طفيفاً في أبريل/نيسان (13%). ويرغب أكثر من 60% من البرازيليين برحيلها.
وتعود أزمة البرازيل إلى فترة إعادة انتخاب روسيف. لكنها تصاعدت في مارس/آذار بتظاهرات هائلة تطالب برحيلها وبعد تعيين راعيها الرئيس السابق إيناسيو لولا دا سيلفا في الحكومة.