“سجن كبير وعايشين فيه”.. سوريون في لبنان يعيشون في الظلّ ولا يتحرّكون إلا للضرورة

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/17 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/17 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش

يعيش العديد من اللاجئين السوريين في لبنان في الظل، يحسبون تنقلاتهم ولا يتحركون إلا للضرورة، خشية توقيفهم أو إعادتهم إلى بلادهم إذ تحول التدابير المشدّدة الجديدة دون حصولهم على أوراق إقامة قانونية أو تجديدها.

ولا يملك أكثر من نصف اللاجئين السوريين في لبنان أوراق الإقامة القانونية، وفق الأمم المتّحدة. ويزداد هذا العدد يومياً مع المواليد الجدد الذين لا تتمكن عائلاتهم من تسجيلهم.

وفي ظلّ غياب الأوراق الرسمية، لم يجد العديد من اللاجئين السوريين حلاً سوى إرسال أولادهم للعمل إذ إن فرص توقيفهم تبقى أقل. ولذلك اضطر الكثير من الأطفال، ومنهم حسين (14 عاماً)، إلى ترك مدارسهم ليصبحوا المسؤولين عن تأمين لقمة العيش لعائلاتهم التي تعيش في مخيمات مزرية مثل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت.

ويقول وليد العدل (49 عاماً)، والد الطفل حسين، والذي انتهت صلاحية إقامته "أعيش في الخوف، لا اتجرّأ على الخروج من المخيم، وأخشى إن قررت الخروج ألا أعود مجدداً".

يحضر العدل، الوالد لـ6 أطفال، يومياً الحلويات في محله الصغير ليحملها بعدها ابنه حسين على صينية ويخرج من المخيم لبيعها.

يرسل العدل، ذو اللحية البيضاء الخفيفة ومعالم التعب بادية على وجهه، ابنه حسين عوضاً عنه، ويسأل "ماذا أفعل غير ذلك لأحصّل قوت يومي".

ومثل باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان، يعج مخيم شاتيلا اليوم بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين بالعائلات اللبنانية الفقيرة وإلى جانبهم آلاف اللاجئين السوريين.

وتدير الفصائل الفلسطينية مخيم شاتيلا، ولا يمكن للقوى الأمنية اللبنانية دخوله، ما يجعل منه ملجأً مناسباً لهؤلاء السوريين الخائفين من التوقيف.

تكاليف خيالية

ويستضيف لبنان حالياً 1,1 مليون سوري و450 ألف فلسطيني مسجلين كلاجئين، ليسجل هذا البلد بذلك أعلى نسبة لاجئين بالنسبة لعدد السكان.

يذكر أن أوروبا استقبلت عدداً مماثلاً من اللاجئين، وغالبيتهم سوريون، في العام 2015، إلا أن عدد سكان الاتحاد الأوروبي يصل إلى 500 مليون نسمة، فيما لا يتخطى عدد سكان لبنان الأربعة ملايين.

وتفرض الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية في العام 2015 على السوريين تسجيل إقامتهم عبر الأمم المتحدة بشرط التزامهم بعدم العمل أو عبر كفيل لبناني يضمن لهم العمل.

إلا أن بعض الكفلاء بات يشترط عليهم مبلغاً سنوياً من مئات الدولارات.

وللحصول على الإقامة، على السوريين أيضاً أن يحددوا عنوان سكنهم، وهو أمر غير مفروض على جنسيات أخرى. ويجدر على الذين يفوق عمرهم 15 عاماً دفع مبلغ 200 دولار سنوياً.

ويقول "ماثيو سالتمارش" المسؤول في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "في ظل تلاشي العائدات الشخصية، تعد تكاليف تجديد الإقامة شبه مستحيلة لغالبية اللاجئين".

وينقل عن دراسات أنه "بحلول نهاية مارس/آذار 2016 بات 56% (من اللاجئين السوريين) لا يملكون إقامة".

ليس بمقدور غالبية اللاجئين السوريين دفع التكاليف المطلوبة للإقامة، وهذا هو حال رضية أحمد (23 عاماً) الوالدة لطفلين والتي تعيش مع عائلتها الصغيرة في شاتيلا.

يعمل زوج رضية في مركز للأيتام، يغسل الأواني ويقوم ببعض المهمات البسيطة الأخرى.

وتقول رضية "يحصل زوجي على 500 ألف ليرة (330 دولاراً) شهرياً، بالكاد يكفي راتبه لدفع آجار البيت وتأمين الأكل والشرب".

وكون رضية وزوجها لا يملكان وثائق إقامة، بات من الصعب عليهما الحصول على الأوراق الرسمية المطلوبة لتسجيل رضيعتهما فاطمة.

وتقول رضية "يريدون منا أن نحضر سجل العائلة من دمشق، ولكني لا أستطيع الذهاب إلى دمشق، وأخشى إن ذهبت ألا يسمحوا لي بالعودة".

لاجئون.. غير مرئيين

وتؤثر عدم قدرة اللاجئين السوريين على الحصول على الإقامة في لبنان على كافة جوانب حياتهم، وفق ما تقول ليال أبو ضاهر من المجلس النرويجي للاجئين.

وتوضح أبو ضاهر "الأمر اشبه بالعيش في الخوف دائماً، ويشعرون، بحسب ما يعبرون، بأنه يتم دفعهم ليصبحوا غير مرئيين".

يرفض الأمن العام اللبناني، والمسؤول عن متابعة شؤون اللاجئين، الانتقادات التي تلاحق القيود التي تم فرضها.

ورداً على سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية أكّد متحدث باسم المديرية العامة للأمن العام "لا يوجد أي عائق، بل على العكس من ذلك تم وضع تسهيلات عديدة لحصول السوريين على إقامات في لبنان مراعاة لوضعهم الإنساني".

لكن الأمر لا يتعلّق فقط باللاجئين السوريين الذين يعيشون حياة صعبة في المخيمات، بل يؤكد فهد أيضاً، وهو رجلُ أعمال سوري في الثلاثين من العمر يعيش في عالية في جبل لبنان، إن الحياة في لبنان باتت "صعبة جداً".

وفي مقهى في بيروت، يروي فهد الذي يعمل في تجارة مواد البناء، "لا يرحلون أحداً، إلا أن السجون تمتلئ بسرعة (باللاجئين غير النظاميين)، فالسلطات تصعب الحياة على الجميع". ويتساءل ببساطة "لماذا؟".

اعتاد فهد على السفر إلى تركيا من أجل تأمين طلبات زبائنه، إلا أنه لم يتمكن خلال العام الماضي من السفر بتاتاً بسبب انتهاء صلاحية إقامته.

يقرّ فهد أن فرصه بالمرور في سيارته المرسيدس أمام الحواجز من دون أن يسأل عن أوراقه أفضل من اللاجئين الفقراء الذين يستخدمون النقل العام لكنه ورغم ذلك "أتفادى الحواجز إذا كان ذلك ممكناً".

أما أم محمد (58 عاماً) فلا تغادر مخيم شاتيلا أبداً، خاصة بعدما تم توقيف صهرها لعدم امتلاكه الأوراق القانونية المطلوبة.

وتختصر أم محمد حياة اللاجئين السوريين في لبنان بالقول "سجن كبير وعايشين فيه".

تحميل المزيد