لربما لم أكمل ربيعي الثامن عشر بعد، إلا أن الحياة، وفي رحلة بحث عن العلم، وبهدف بناء حاضر ومستقبل أفضل، قد أبعدتني عن منزلي، عن عائلتي وأحبائي. أخرجتني من دائرتي المحيطة، قذفت بي من بر الأمان، لأجد نفسي وسط واقع بألوان زهرية مرة، ومر أحياناً كثيرة .
شهران يفصلانني عن سنواتي الثماني عشرة، ما زلت قاصرة بنظر القانون، وشابة متهورة بنظر المجتمع، أو حتى طفلة صغيرة بنظر أبي وأمي. إلا أن الحياة قد أرغمتني عبر مواجهة مشكلة تلو الأخرى، على أن أصبح فتاة ناضجة. مشكلة لربما لم تكن سوى سوء تفاهم بسيط، إلا أن المرور من كل هذه الصعاب قد جعل مني بالتأكيد أقوى. كل شخص منا يعاني مشكلاً واحداً على الأقل في كل جانب من جوانب حياته. فالحياة بمعناها الأسمى، لم تكن يوماً لعيش النعيم المطلق، بل هي رحلة بهدف التغلب على المصاعب المختلفة، وبلوغ سعادة مطلقة، لن نبلغها ما دمنا في هذا العالم الفاني . كل شخص يعاني مشكلة، في حياته العاطفية أوالاقتصادية، المهنية أو العائلية الخاصة، الدينية أو النفسية..
إلا أن الحياة تعلمنا أن نتعايش مع كل واحدة منها، فتصير جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. بل إنها ما تضفي نكهة على كآبتنا ورتابتنا اليومية، عبر البحث عن طريقة أو أخرى.. أو عبر تذوق طعم النجاح عندما تتغلب على إحداها.
ابحث عن الحلول، لكن لا تكن متطلباً، فإن حاولت أن تجد حلًّا لكل مشكل يجابهك، فكن متأكداً أنك لن تجد أي حل على الإطلاق.
في كل لحظة نواجه صعوبة ما، نتسرع في التفكير، نبحث عن أسهل حلٍّ ونتذمر من أنه لو كانت مشكلة شخص آخر لوجدنا الحل بكل سهولة. ربما.. فذلك لأنك لن تتحمل تداعيات ذلك الحل، أو لأنك لن تحس بصعوبة وثقل المشكل من أصله.
ولربما يكون ذلك هو الحل، الحل لكل مشكلة مهما عظمت أو هانت، لكل مشكلات الحياة: أن تنظر للمشكلة من زاوية مختلفة. فيكون الحل عبر طرح المشكل بصيغة مختلفة. فأغلب مصاعب الحياة، ليست إلا من صنع أيدينا. فالطالب عندما يخاف الرسوب، وعامل يجمع قوت يومه، يرزقه الرزاق كل يوم ما يكفي عيشه، إلا أنه يحمل هم غد لا يدري إن كان سيرى نوره أم لا، أو مهندس حين يخشى من رأي مديره.. الكل يظن بأنه بصدد عيش أكبر هموم الدنيا. إلا أن الحل بأيديهم، وهو أن يروا قلقهم وخوفهم هذا سبباً لأن يعملوا بجد أكثر، فينالوا جزاءً لم يكونوا لينتظروا مثله.
في كل مرة تواجه مشكلة، حاول أن تخرج من قوقعتك، أن تحرر روحك، أن تتحرر من أي معرقل، أن تتقمص شخصية أخرى وترسم هدفاً آخر. احلم أحلاماً أبهى وأجمل. لا تهرب من الواقع، لكن تجاهله للحظة. تذوق كوب قهوة، ابتعد عن مكتبك وكآبتك اليومية المستمرة. خذ حماماً أو اخرج في نزهة على أقدامك. تجول في أي اتجاه ونحو أي مكان. حضر وجبة لأحبائك أو تكلم مع حبيب لم تسمع منه منذ مدة.
اقرأ صفحات من القرآن تجبر خاطرك، أو شغِّل مقطعاً موسيقيًّا صاخباً بأعلى صوت ممكن. تبسم أو اذرف بعض الدموع ليستريح قلبك ويصفو عقلك. وتكون على أتم استعداد لتعود للواقع من جديد. فتستجمع الشجاعة اللازمة والقوة الكافية لمجابهة كل المشاكل التي مررت منها، والأخرى التي ما زالت تنتظرك.
ففي هذه الدنيا، أمر واحد هو الأكيد، ما دمت على قيد الحياة، فلا بد أن يكون بانتظارك كل يوم قدر محدد من المشاكل. والنجاح، هو أن تنجح (بالعمل، الطموح أو بالموهبة) في أن تجد سبيلاً تتفوق به على المشاكل، رغم كثرتها.
تذكر دوماً القوة التي حباك الله بها في مواقف، لم تكن تتصور أتك ستتحملها، وابذل المزيد من الجهد. كن قويًّا، لأجل عائلتك وأحبائك، لأجل كل من وثقوا بأحلامك، وضحوا معك ومن أجلك. كن قويًّا لأجلك وفقط لأجلك، لأنك الوحيد من يعلم مكامن قوتك وضعفك. لأنك في محنك، الوحيد من يعاني ويكدُّ، من يعمل ويتعب، من يبذل جهداً جباراً لمجابهة الصعاب. كل هذا في سبيل التقدم للأمام، وعيش الحياة كما اخترنا لها أن تكون، وليس كيف أملت علينا هي.
ابتسم، لملم بقايا روح تائهة، ابحث عن الإيمان، القوة والطاقة الكامنة في داخلك.
اسأل عقلك، قلبك ولسانك. اتخذ قرارات صارمة، مصيرية.. ولا تندم على أي منها.