لماذا لا ينزل الأميركيون على الأرض لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؟ ، هذا السؤال وهو الأكثر طرحاً من قبل المتابعين للأوضاع في الشرق الأوسط ومن قبل سكان هذا الإقليم ، بل طرحه بات يحمل في طياته اتهاماً للولايات المتحدة بأنها المحرّك الخفي للتنظيم، وفقاً للكثيرين من أصحاب السيناريوهات بالمنطقة.
أحد أوجه القصور الرئيسية في تاريخ التدخل الأميركي في النزاعات المسلحة خارج أراضيها يتمثل في عدم الاهتمام بما يستتبع القضاء على العدو، بحسب تقرير نشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية.
صدام حسين
ويعدّ المثال البارز على ذلك بالطبع هو الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث أهمل دعاة هذه الحرب إجراء دراسة متأنية لتبعات إزالة النظام العراقي الحاكم التي قد تتمثل في زعزعة الاستقرار وانعدام النظام الديمقراطي. (وهذا ما حدث)
وظهر أحد أوجه القصور المماثلة حينما أيدت الولايات المتحدة أوروبا في عزل معمر القذافي في ليبيا. وحينما أدى ذلك إلى حدوث اضطرابات ومواصلة النزاعات، أصبحت العواقب الأوسع نطاقاً تتعارض مع المصالح الأميركية والأمن الدولي.
ويتضمن ذلك بصفة خاصة توفير أرض خصبة للتطرف والإرهاب، على غرار ما حدث في العراق من نشأة جماعة تُعرف حالياً باسم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
هل "داعش" دولة؟
ويسري الكثير مما يتعلق بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة على هزيمة تنظيم داعش، وهو القوة الفاعلة التي تسيطر على جزء من العراق وسوريا ، وتحاول إدارته كما لو كان دولة. حتى لو كان هناك فروق كبيرة بين أنظمة الدول الفعلية وتنظيم داعش، الذي يمثل ظاهرة عابرة غير قانونية أو معترف بها.
ويتعين مواجهة مثل تلك القضايا على الفور. فتنظيم داعش أصبح مطارداً وخسر نصف الأقاليم التي سيطر عليها في العراق منذ عام 2014 وتستعد القوات الحكومية لشن حملة لاستعادة المدينة الثانية بالعراق، الموصل ، التي يسيطر عليها التنظيم.
وفي سوريا، عانى التنظيم من هزيمة ساحقة حيث فقد السيطرة على تدمر وفقد أراض إضافية في مواجهة مليشيات المعارضة في الشمال الغربي. وتتراكم التقارير في غضون ذلك بشأن تفاقم العقبات المالية أمام داعش خلال محاولتها إدارة دولتها الصغرى.
وفي ظل تلك التطورات، يستمر التشكك في مسألة "التبعات". وسوف يقع حل تلك المشكلة على عاتق الدبلوماسية الدولية بزعامة الأمم المتحدة بشأن مستقبل سوريا.
هل يملأ الأسد الفراغ؟
ورغم استمرار التفاوض بين الدبلوماسيين، إلا أن تسارع الأحداث على أرض الواقع يفرض تناول هذه القضية. وتؤدي الأعمال الحالية في تدمر والمناطق المحيطة بها إلى صعوبة استنتاج أن نظام الأسد سوف يملأ الفراغ الذي كان تنظيم داعش يحتله من قبل. ويزيد ذلك من صعوبة تنفيذ أي معادلة سياسية تركز على رحيل النظام الحاكم.
وفي العراق، يصف توماس فريدمان موقفاً مماثلاً في عموده الصحفي الذي كتبه خلال زيارته لشمال البلاد. وينقل فريدمان عن حاكم إقليم كركوك بشمال البلاد قوله "المشكلة في العراق ليست داعش؛ فداعش هي من أعراض سوء الإدارة والطائفية".
وبدون أي تعديلات إدارية وسياسية أخرى، "يمكن أن يزداد الأمر سوءاً في العراق" حتى إذا تمت هزيمة داعش.
ويوضح فريدمان السبب قائلاً "لا يوجد ببساطة أيُّ إجماع حول كيفية تقاسم السلطة في المناطق السنية التي سيطرت عليها داعش. ولذا إذا سمعت يوماً أننا قضينا على خليفة تنظيم داعش أبي بكر البغدادي وأنزلنا علم داعش من أراضي الموصل، فتوقّف عن التصفيق".
إن طموحات الأكراد والعرب السنة هي الأكبر ولكنها لا تمثل أساس النزاعات التي لم تتم تسويتها.
لماذا لا تحارب أميركا داعش؟
ترى سياسة الولايات المتحدة الحالية عدم وجود مبرر للدعوات المتكررة بالتدخل العسكري الأميركي المكثف لمحاربة داعش والاكتفاء بالتوجهات السائدة لدى قوى مختلفة اليوم لمحاربة التنظيم، ولكن الأسباب الأخرى لرفض واشنطن في التورط على الأرض تتمثل في النتائج العكسية لبعض محاولات فرض النفوذ العسكري الأميركي في السابق ضد التطرف ومخاطر الانزلاق في حرب معقدة كتلك التي تدور رحاها في سوريا.
ووفقاً للتقرير يعتمد مدى الإلحاح المتعلق بدعوات التصعيد على افتراضات زائفة بشأن ارتباط الأحداث في خلافة داعش المزعومة بالإرهاب الدولي في الغرب. ولا يكاد تكون هناك أدلة على الدعم المالي أو المادي، على سبيل المثال، من قبل داعش لتوجيه الاعتداءات الأخيرة في باريس وبروكسل.
مابعد داعش أسوأ
وهناك سبب آخر لعدم وجود مبرر وراء دعوات التصعيد العسكري الأميركي يتمثل في أنه حتى إذا ما أدى ذلك التصعيد إلى سرعة القضاء على داعش، إلا أنه سيؤدي أيضاً إلى ظهور مشكلات أساسية أخرى أشد حدة.
لن يؤدي التدخل العسكري إلى تحقيق تقدم في تسوية النزاعات ولن يصبح بمثابة تحسنٍ في موقف الأمن الدولي. ونظراً لوجود علاقة بين الأحداث في سوريا والعراق بمخاطر الإرهاب في الغرب، فلن تعتمد تلك المخاطر كثيراً على مدى سرعة القضاء على تنظيم داعش، بل على ما سيخلفه بعد القضاء عليه.
-هذه المادة مترجمة بتصرف عن مجلة The National Interest الأميركية. للاطلاع على النص الأصلي اضغط هنا.