لم تعد السنوات علامات فارقة في مرور الزمن لدى ضحايا العنف في العراق من أمثال أم علاء، فهناك عصر "ما قبل الطائفية"، وهناك أيضاً "عصر الطائفية".
تتأمل أم علاء التي ترتدي الملابس السوداء عاماً محدداً، وهو عام 2003 الذي قامت خلاله الولايات المتحدة بغزو العراق والإطاحة بصدام حسين، وهو أيضاً آخر عام كان أفراد أسرتها يعيشون خلاله معاً.
في عام 2004 لقي زوجها مصرعه على يد مقاتلي تنظيم القاعدة. وفقدت أم علاء في السنوات اللاحقة أبناءها الأربعة جميعاً. فقد قُتلت ابنتها صفاء خلال أحد التفجيرات الانتحارية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في فبراير/شباط. وتحاول أم علاء تذكر تلك التواريخ، وما إذا كانت المسؤولية تقع على عاتق القاعدة أم تنظيم داعش.
تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الأحد 10 أبريل/نيسان 2016، نقل عن أم علاء قولها: "الأمر لا يختلف الآن". وتطرح تساؤلاً على قائد القوات الشيعية شبه العسكرية: "ما الذي حققه لنا هؤلاء القادة الذين جاءوا منذ عام 2003؟ على الأقل كان أبنائي أحياء في ذلك الحين".
القتل الطائفي
تثير إراقة الدماء الطائفية منذ الإطاحة بصدام حسين، التي تزايدت حدتها منذ ظهور تنظيم داعش في البلاد، الحنين إلى الماضي وإلى الحكم الاستبدادي بين بعض العراقيين.
تشعر الأغلبية الشيعية والأقلية السنية والكردية في العراق بالإحباط الشديد جراء الديمقراطية المختلة التي جاء بها الاحتلال الأميركي.
وتوشك الدولة الغنية بالنفط على الانهيار الاقتصادي بسبب النخبة السياسية الفاسدة الذين يستغلون نظام المحسوبية القائم على الطائفية لملء حافظاتهم بدلاً من تحسين الخدمات العامة مثل الصحة والكهرباء والمياه.
ويشير البعض – بحسب تقرير الصحيفة البريطانية – إلى الرغبة في العودة إلى عصر صدام حسين، وإن لم يكن بالضرورة إلى عودة صدام حسين ذاته.
وذكر بعض المواطنين في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، حيث أدت اعتداءات الدكتاتور بالغاز السام عام 1988 إلى مصرع أكثر من 5000 مواطن في مدينة حلبجة، ذكروا أنهم يسمعون أصدقاء لهم من حين لآخر يعربون عن حنينهم لعصر ما قبل عام 2003.
معاناة اقتصادية
وفي شوارع بغداد، يرى التجار المتذمرون بشأن انخفاض عائداتهم إلى نحو 50%، أن المشكلة تعود إلى أواخر العصر الاستبدادي. ويتذمر أحد تجار الحلوى في سوق شورجا ببغداد، حيث ينادي البائعون على أسعار الجوارب والمكسرات والقبعات، قائلاً: "الحقيقة أن أيام صدام كانت أفضل. ماذا لدينا الآن؟ إننا نعاني من أزمة اقتصادية ونواجه تنظيم داعش. وبدلاً من وجود حاكم واحد فاسد، لدينا العشرات".
ويصيح بائع آخر قائلا:ً "ليس صدام، فلنستعد الملكية".
وقال أحمد علي، أحد العاملين بالجامعة الأميركية في العراق بالسليمانية، إنه ينبغي أن تكون تلك المشاعر بمثابة جرس إنذار لدى القادة العراقيين. "يتعين على النخبة السياسية أن تعمل على استعادة ثقة المواطنين".
ونقل تقرير "فايننشال تايمز" عن ريناد منصور، المحلل بمعهد كارنيجي، قوله إن تصاعد موجة الحنين إلى الماضي تعود إلى شهر يونيو/حزيران 2015، حينما شرع المتظاهرون من الشيعة في النزول إلى الشوارع مطالبين بالإصلاحات.
ورأى أنه في تلك الأيام بدأ العراقيون يتذكرون الدكتاتور السابق عبدالكريم قاسم الذي أطاح بالملكية، وتمت الإطاحة به في وقت لاحق على يد البعثيين عام 1963.
وأضاف منصور: "حاول الكثير من المتظاهرين تصور الأخطاء التي حدثت. ومن الواضح أنهم لا يريدون البعثيين بالفعل. ولذلك يتحدثون عن ذلك الشخص وربما أنه يمثل العراق التي يمكننا العودة إليها"، حسب قوله.
علامة مشجعة
ورأى المحلل السياسي ريناد منصور في الرغبة الجامحة لدى الناس للعودة إلى الدكتاتورية علامة مشجعة.. وقال: "أعتقد أن هناك نقطة إيجابية هنا نابعة عن كثير من السلبيات. هذا التحرك ينأى عن سياسة الهوية الطائفية ويعمّ العراق بالكامل".
ففي المقدادية، تعتبر أم محمد وأم حوراء ضحيتين على جانبي الصراع الطائفي. فأم محمد سُنية ولديها ابن أخ يبلغ من العمر 13 عاماً وقد تم اختطافه على يد المقاتلين الشيعة.
وتخفي أم محمد أبناءها داخل المنزل خوفاً من الاعتداءات الانتقامية الطائفية في المنطقة، مثل تفجيرات تنظيم داعش التي أودت بحياة المصلين الشيعة في إحدى الجنازات، ومن بينهم ابن أم علاء وزوج أم حوراء وصفاء. وبدلاً من تزايد العداء، يذكر كلاهما أنهما سئما التركيز على الطائفية.
وقالت أم محمد: "الأمر لا يتعلق بالسنة أو الشيعة، بل يتعلق بوجود قادة يتمكنون من وقف العنف، والسماح للناس بأن يعيشوا حياتهم".
وفي الجانب الآخر من المدينة، تتفق أم حوراء مع ذلك الرأي، حيث تقول: "لا أريد أن يموت أي من أحبائنا ونحصل على المال من خلال اللجان المحلية ونثير الحملات المؤيدة لقضيتنا على التلفزيون. أريد حلاً جذرياً للعراق. فقد امتلأت قبورنا لآخرها".
– هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.