قليل من الجنة

كل المعروف حالياً أن الناتج النهائي من وراء خوفنا الهستيري هو مجتمع يخاف العين لا يخاف الله، يخاف الدنيا ولا يخاف الآخرة، يخاف العيب ولا يخاف الحرام وذلك لأمر جلل لمن يدرك ما قد يترتب عنه!

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/11 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/11 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

Little bit of heaven أو "قليل من الجنة"، ذلك كان عنوان فيلم أميركي شاهدته مؤخراً، يحكي لنا الفيلم تفاصيل حياة فتاة مستقلة تعيش حياة رائعة، بسيطة محاطة بأصدقاء رائعين، هذه الفتاة عرفت فجأة أنها مصابة بسرطان القولون وأن إصابتها في المرحلة الأخيرة، وعليه فإن أيامها في الحياة باتت معدودة، مع ذلك منحها طبيبها بصيص أمل بإمكانية العلاج، يوماً بعد يوم توطدت علاقة الطبيب بمريضته وتعدت مجرد الصداقة بأميال.

إلى الآن لا شيء يشد الانتباه، فما حدث بالفيلم سرد لدراما اجتماعية كثيراً ما رصدناها في حياتنا الواقعية لأناس من حولنا عاشوا ذات الحالة وشبيهاتها، بل وأمرّ، منهم من رحل ومنهم من لا يزال متشبثاً بالحياة متكئاً على عصا الأمل.. ما رأيته فارقاً بالفيلم هو ذلك الحوار الذي جمع المريضة بطبيبها أثناء سيرهما في حديقتهما السرية بنيويورك.

خاطبت المريضة طبيبها سائلة: هل تؤمن بالله؟
تمتم ثم قال: حسناً إن سألتي الطبيب الذي أكون عليه الآن فسيقول: أنا أؤمن بالبراهين والدلائل والتجربة العلمية، وإن سألتني أنا كشخص عادي فأنا حقاً لا أعلم؟
قالت: أتعلم؟ أحسد أولئك الذين يؤمنون بالله.
قال: ولِم؟
قالت: هم لا يعرفون الخوف، لا يخافون لأنهم يؤمنون بقوى عُليا تدبر كل أمورهم، لا يخافون لمعرفتهم أن قدرهم محسوم وكل شيء مرسوم له!

كلام بسيط كسيل نهر جار، عميق كفوهة بركان، كلام فتح في ذهني أسئلة كثيرة من بينها: ترى هل نحن مؤمنون بالمعنى الصحيح؟
إن كنا كذلك، فلِمَ نخاف؟
لِم بات سهلاً إدراج كلمة خوف في كل تفاصيل حياتنا؟! نخاف على مستقبل، نخاف من مرض، نخاف من أناس، نخاف من هواجس، نخاف من الفقدان، نخاف من الفراق، نخاف من الموت، نخاف حتى الرعب من العين والحسد، نخاف من الخوف نفسه!

لِمَ نخاف إن كانت أرزاقنا مقسومة وأقدارنا محسومة، لِمَ نخاف ونحن نعرف أن الأقلام قد رُفعت والصحف قد جفّت؟ لِمَ نخاف وقد جعلنا المولى مخيرين فيما نود أن نسلك من سبل بين الخير أو الشر؟

كل هذا ذكرني بقول مصطفى محمود (رحمه الله) حين قال إن الله لا يعبد على جهل.

وعدت للسؤال: إلى أي مدى نحن جاهلون يا ترى؟
ترى هل نحن ملامون؟ أم أن ما جبلنا عليه بفعل العادات والتقاليد والمجتمع ككل هو الملام في ذلك؟

بأية حال قد تكمن الإجابة عن هذه الأسئلة جميعها في أن النفس البشرية ما هي إلا مجموعة من ملكات متعددة، ملكات كثيراً ما تكون غير منسجمة مع بعضها، وإذا تحقق ذلك شكلت في دواخلنا قلقاً من توقع ضار ما.. وذلك بالذات ما يصطلح عليه بالخوف.

مع ذلك يبقى الخوف في نظر العقلاء خوراً لا ضرورة له، تسألون: لماذا؟!
قيل إن أردت أن تؤمن نفسك من مخوف فاجهد أسبابك لتعوق هذا المخوف، فإذا انزعجت نفسك فهذا يعني أنك لم تواجه الأمر بكل ملكاتك.

نحن أحوج ساعة الخوف إلى أن تستقر ملكات أنفسنا، الذي يخاف من الخوف نقول إنه معين لمصدر الخوف.

أخوفكم وانزعاجكم يمنع المخوف؟! إذن انشغلوا بما يمنع المخوف ودعوا المخوف إلى أن يقع ولا تعيشوا في فزعه إلى أن يأتي!

تسألون أيضاً: لماذا؟!
حسناً؛ لأن آفة الناس أنهم يعيشون في المصائب قبل وقوعها فيطيلون على أنفسهم أمد المصائب، وهذا والله للحمق بعينه!

إن الله سبحانه وتعالى ساعة ينزل المصيبة ينزل معها اللطف فكأنك إن عشت في المصيبة قبل أن تقع كأنك عشت المصيبة وحدها معزولة عن اللطف.

فسبحانك ربي ما ألطفك!

كل المعروف حالياً أن الناتج النهائي من وراء خوفنا الهستيري هو مجتمع يخاف العين لا يخاف الله، يخاف الدنيا ولا يخاف الآخرة، يخاف العيب ولا يخاف الحرام وذلك لأمر جلل لمن يدرك ما قد يترتب عنه!

وما لي في آخر الأمر سوى قول: نستغفرك ربي كل مرة خفنا فيها على شيء، نستغفرك عن كل أسى أو يأس اختلج أفئدتنا يوماً ونسينا أن بيدك كل شيء وبأن إليك الرجعى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد