قد يفهم البعض العنوان فلسفة في غير مكانها، أو محاولة لاستجلاب قراء للتدوينة، لكنها حقيقة مُرة نحاول الهروب منها ومن تفاصيلها اليومية في حياتنا أو حياة المحيطين بنا في هذه الحياة.
عندما تتحدث عن الداعشية، فإن صورتنا النمطية تسافر بسرعة للذبح والدماء والتفجيرات المتنقلة من باريس لإسطنبول مروراً بسوريا والعراق، وذلك نتيجة مراقبتنا للأحداث في الإعلام التقليدي والحديث ومتابعتنا للواقع عن كثب.
معظم سكان الكرة الأرضية يرفضون نموذج داعش ويعتبرونه نموذجاً دمويًّا يمثل الشر المطلق في هذا العالم، وهذا طبيعي جدًّا لفطرتنا الإنسانية التي لا تقبل الخوض في الدماء بغير وجه حق إلا لرد عدوان أو لتثبيت وجود الكرامة الإنسانية.
لكن الداعشية الحقيقية هي التي تعيش في حياتنا كل يوم، تستوطن أفكارنا وتوجهاتنا ومسيرة حياة الكثيرين منا، داعشية بالفكر والسياسة والحياة الاجتماعية والمالية وأخرى باللون والعرق والجنس، واللائحة تطول والخروج من تلك اللائحة يحتاج لتجرد عقلي وإنساني.
أما عن داعشية الفكر فإنها السرطان الفتاك الذي اجتاح جسم الإنسانية تحت عناوين براقة، وبعضها سخيف لم يجد مكان يستقر به سوى أنه يريد كبت الأفكار التي خرجت من عقول المفكرين والمجددين، لأسباب لم يجد العلم تفسيراً لها سوى أنها أمراض وعقد نفسية تبدأ من الشيزوفرينيا ولا تنتهي عند الزهايمر.
رفض لكل أنواع الحرية ولو كانت مقيدة بضوابط الدين والمجتمع والقيم، ومحاولة لفرض أفكار لا يمكن لكل البشر تحمل ورعها وتقواها لاختلاف طبيعي بين البشر، وحصار دائم لعقول الشباب لاعتقال أي فكرة تفكر الخروج من دائرة التفكير لدائرة العمل والإنتاج، داعشية في الدولة والحزب والعمل والجامعة وحتى في المجمع السكني، والهدف قد يكون غير معلوم سوى للتضييق لمن يختلفون عني.
وإن قررت المرور على داعشية السياسة، فلن تنتهي من الحديث بشهور وسنوات، ولن يسع كلامك مئات المجلدات والكتب والمقالات والأبحاث العلمية، عن تاريخ داعشيتنا السياسية فقط في القرن الحالي الذي حمل معه أحداث ربما لم تكن يوماً في ذهن حتى من رسموا سياسات العالم، إلغاء وتشهير وإقصاء واستبعاد وتصفيات سياسية وربما جسدية تطال كل المخالفين لنا في السياسة، في أروقة الحكم أو في دوائر الحزب الواحد، مع التنويه الدائم بوجود داعشيين صغار يشاركون ولو بالتصفيق لهذه المسرحيات الغريبة عن شعورنا بأننا بشر.
ولكن في هذا العالم المحكوم بالزوال ما زال من يكافح من أجل الفكر الرشيد والقيم السامية والتجديد المستمر لرقي الحضارة الإنسانية والذهاب بها نحو التطبيق العملي، بدلاً من النواح المستمر الذي نعاني منه، يكافحون رغم محاولات إلغاء وجودهم وطمس أفكارهم وإبعادهم عن الأضواء.
يكافحون من أجلك أنت.. من أجلي أنا.. من أجلكِ أنتِ.. من أجل الإنسان…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.