اقتدوا بالناجحين لا نصائحهم

من الجيد أيضاً أن ننظر لحياة الناجحين والفاشلين على سواء، ونأخذ منها ما ينفعنا طبقاً لحياتنا وظروفنا والمناخ الذي نعيش فيه، وتذكر دائماً الكثير من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا مدى قربهم من النجاح لحظة استسلامهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/10 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/10 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش

"10 نصائح للنجاح من ستيف جويز"، "12 قاعدة للتفوق من بيل جيتس".. إلخ. هذا ما تجده عادة أثناء تصفحك مواقع التواصل الاجتماعي، سوف تجد أن الحديث يدور حول كيفية محاولة وقدرة جيتس وجويز على مجابهة الصعاب وأخذهما المخاطرة؛ لكي يقوما بمشاريع البشرية ليست في غنى عنها. هذا رائع وعظيم!

لكن دعنا ننظر لهذا الجانب من الشق النفسي.. تركيزك كشخص مع 3 أشخاص ناجحين ونسيانك 3 ملايين شخص فاشل هو يعني وقوعك في تحيز إدراكي يُدعى الانحياز إلى الديمومة (Survivor-ship Bias): هذا الخطأ ينتج من التركيز على النماذج والمشاريع الّتي دامت طويلاً ونجحت، مما يجعلنا نحكم عليها بصورة خاطئة، إذا لا نأخذ بعين الاعتبار النماذج الّتي لم يُكتب لها النجاح.. كم تصدّعت رؤوسنا بنجاح التجربة في الدولة الفلانيّة، في حين يتغاضى البعض عن التجارب الفاشلة في دول أخرى أو نجاح شخص ما، كما والتغافل عن الأشخاص الذين فشلوا.

عليك أن تعي تماماً أن هناك أشخاصاً قد عملت واجتهدت أكثر من بيل جيتس، وكانت عندهم روح عالية، وأخذوا المخاطرة، ولكن لم ينجحوا، ولكنك لا تعرف شيئاً عن أسباب فشلهم! بيل جيتس وستيف جويز ليسا هما القاعدة، بل هما ضمن الحالات الشاذة عن القاعدة، هما الفئة الحثيثة التي اجتمعت معهم كل الظروف لتحقيق النجاح الذي تراه الآن. لذا عندما يصدِّر أحدهما لك فكرة النجاح على شكل خطوات يكون محتواها العمل الجاد والشاق والشغف، من أجل الحصول على الغاية، إذاً فهو قدم لك صورة مشوهة كاملة عن النجاح، متجاهلاً بذلك مئات العمال الذين ساعدوه، متجاهلاً أنه وجد مناخ جيد للعمل ودولة جيدة للدعم وعائلة جيدة للمساندة. إذاً فلماذا الذين قاموا بمثل تلك الخطوات لم ينجحوا؟!

انظر حولك ستجد أن ظروف النجاح واقعية، ولكن يحتاج منك ذلك استغلالاً لما هو حولك، وستجد نفسك محظوظاً بالمرة أنك تعيش في هذا الزمن، ستجد نفسك كطالب جامعي أو ثانوي أو حتى متخرج، تعرف أكثر من فلاسفة اليونان الذين لم يكونوا يعرفون اختراعات اليوم أو قانون الجاذبية أو تركيب الذرة! أنت تعيش في زمن تقدر فيه أن ترسل رسالة لصديقك القاطن على بعد 3000 كيلومتر، ويرد عليك في ثانية واحدة كما لو كان جالساً بجوارك، كل هذا قد يبدو بديهيًّا، لكن عندما تفكر فيه بالمقارنة بالفترات السابقة، ستعرف كم أنت محظوظ أنك تعيش حالياً ليس من 70 سنة مثلا وقت الحرب العالمية الثانية، وليس من 200 سنة وقتما كانت العبودية شيئاً طبيعيًّا جدًّا. محظوظ أنك تحت يدك كمية معرفة مهولة عن طريق الإنترنت، محظوظ لأن جرحاً صغيراً "مش هيقتلك زي ما كان بيحصل قبل اختراع المضادات الحيوية"، محظوظ لأنك تملك إمكانيات لم تكن متوفرة لأقوى رجل في العالم من 25 أو 30 سنة! من الجيّد أن نسعى لكي نكون عقلانيّين قدر الإمكان، وإلا ستترتب عواقب غير محمودة على كثير من قراراتنا اليومية والمصيريّة.

من الجيد أيضاً أن ننظر لحياة الناجحين والفاشلين على سواء، ونأخذ منها ما ينفعنا طبقاً لحياتنا وظروفنا والمناخ الذي نعيش فيه، وتذكر دائماً الكثير من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا مدى قربهم من النجاح لحظة استسلامهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد