أثارت هُوية تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأسباب ظهوره في المنطقة جدلاً بين عدد من الباحثين خلال جلسات اليوم الأول من مؤتمر نظمه منتدى الشرق، السبت 9 أبريل/نيسان 2016، في مدينة إسطنبول التركية، لإعادة التفكير في حالة العنف والتطرف بمنطقة الشرق الأوسط في محاولة لتفسير هذه الظاهرة من جوانب عدة.
وركز الباحثون المجتمعون خلال كلماتهم على الأسباب الاجتماعية والسياسية والتاريخية لظهور التنظيم الجهادي، في حين أشار آخرون إلى أن التنظيم "مستقل" ويجب دراسته على هذا الأساس، بينما ذهب الجمهور للسؤال عن العامل الخارجي وراء ظهوره، وهل هو صنيعة خارجية أم لا؟
استغلال النصوص الدينية
إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، أكد في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية أن التنظيم يسعى لتبرير وجوده من خلال استخدام النصوص الدينية في القرآن أو السنة، وهو ما بدا واضحاً في خطاب أبوبكر البغدادي، قائد التنظيم، خلال تأسيسه وإعلانه "الخلافة".
كالن أشار إلى أن الإسلام ينبذ العنف والتطرف ويتبنى ثقافة التسامح، ولا يوجد أي تبرير في الإسلام لمثل هذه الأفعال. مضيفاً أن "الكثير من المجموعات تقوم باستغلال الأفكار الدينية حول العالم لإثبات وجودها".
ومن جانبه رأى طالب جان، النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية، أن أسباب ظهور العنف والتطرف في المنطقة هي "الحرب بالوكالة" التي تخوضها الدول الكبرى والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، منوهاً إلى أن انغلاق عقول المسلمين على مَنْ حولهم في العالم، وعدم انفتاحهم على الثقافات الأخرى جعل المنطقة تربة خصبة للتطرف.
عوامل سياسية واجتماعية
بينما أشار يحيى الكبيسي، الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن التنظيم وصعوده هما نتيجة حتمية للدول والأنظمة الفاشلة في العراق وسوريا.
وأوضح الكبيسي أن السلفية لم تكن ظاهرة لا في العراق ولا سوريا التي يحكمهما نظام "علماني"، لكن الصراع الاجتماعي والسياسي في ظل الدول القمعية كان موجوداً ومخفياً، وتحول لاحقاً إلى صراع طائفي عندما أصبحت هذه الدول فاشلة.
ورأى الباحث العراقي أن مَنْ يدرس بداية الحركة يجد أنها ظلت محصورة بعناصرها القلائل في التسعينيات مع عودة مجموعات تمرّست في الحرب العراقية الإيرانية ولم يكونوا سلفية جهادية، وعملياً القاعدة لم تكن تسيطر سوى على منطقة واحدة في العراق عام ٢٠٠٣.
وأكد الكبيسي أنه يجب التركيز على العوامل السياسية والاجتماعية التي أدت لتحول التنظيم إلى ظاهرة، ولا يمكن التعامل مع التنظيم على أنه بنية أيديولوجية واحدة.
وتساءل في ختام حديثه: لماذا عدد الانتحاريين من العراق وسوريا هم العدد الأقل، بينما هم الأغلبية في عدد أعضاء التنظيم؟
تنظيم مستقل
الباحث المصري عمر عاشور أكد خلال كلمته أن تنظيم الدولة الإسلامية حركة مستقلة وليست صنيعة أحد، رغم أن الجميع يتقاذف التهم حولها، فهناك مَنْ ينسبها لنظام الأسد أو إيران أو أميركا أو تركيا، وكل دولة تنسبها للأخرى.
ونوّه الباحث إلى أنه درس حركات المتمردين في 4 قارات، لكن ما يميز "تنظيم الدولة" تفوقه العسكري بالنظر لخريطة المعارك من ليبيا حتى العراق، مشيراً إلى أن دراسة "العامل الأمني والعسكري" هي الأهم عند دراسة التنظيم.
ورغم الاختلال في التوازن من الناحية البشرية والعسكرية والمخابراتية ضد التنظيم، بحسب عاشور، إلا أن كل مقاتل من "داعش" في الموصل يقاتل ضد ٢٠ جندياً، وفي الرمادي كل ١ يقاتل ضد ٢٥، وفي سيناء كل ١ يقاتل ضد ٥٠٠.
وأوضح عاشور أن نظام صدام حسين خسر بغداد بعد أقل من شهرين من القصف الجوي، بينما لم يخسر "داعش" الرقة والموصل رغم ١٨ شهراً من القصف، وهو يقاتل على أكثر من جبهة ضد الأكراد وقوات حكومية وغيرها.
تضارب الأجندات
أما المحلل السياسي رئيس تحرير موقع "Middle East Eye" البريطاني، ديفيد هيرست فقال إنه من السهل تبني فرضية بسيطة عن ظهور "داعش" في الشرق الأوسط، وهي دخول أميركا للعراق وتدريبها ميليشيات شيعية ما أنتج صراعاً طائفياً، غذته إيران أيضاً.
لكن السؤال المهم، بحسب هيرست، لماذا حقق "داعش" هذا الجذب المغناطيسي الضخم؟
وأشار هيرست إلى أن تنظيم "داعش" مخلوق من عدة دول، ولا أحد يحاربه بجدية، فالقصف الجوي لقوات التحالف الدولي أثبت فشله، معتبراً أن التنظيم ليس خالقاً للصراعات فحسب، بل مغذياً لها أيضاً.
كما أوضح أن لدى الدول الإقليمية مقدرات وقوة كبيرة يستغلونها ضد بعضهم بعضاً، وليس لمحاربة داعش، فالأردن مثلاً رغم أنه مركز لتدريب القوات الخاصة فإن سياسته أقرب لروسيا منها إلى السعودية، على حد قوله.
منتدى الشرق
ويهدف المؤتمر الذي ينظمه منتدى الشرق، بمشاركة عشرات الباحثين من تركيا ودول المنطقة وأوروبا، ومركز الدراسات الإفريقية الشرق أوسطية (AMEC) على مدار يومين، إلى إعادة النظر في قضية الإرهاب والتشدد الديني بشكل عام، وتنظيم الدولة الإسلامية بشكل خاص.
ويهدف كذلك إلى ترسيخ قيم التواصل والحوار والديمقراطية بين أبناء منطقة الشرق، والمساهمة في بناء مستقبل مستقر سياسياً ومزدهر اقتصادياً، من خلال تنمية الوعي السياسي وتبادل الخبرات وتحديد الأولويات، بالإضافة إلى تعزيز الفهم المتبادل بين المنطقة ومحيطها الدولي.