تصحيح/مدحت
العنوان.. يعلمنا إبراهيم الخليل الحوارالتربوي الجميل
وأنا أقرأ في صفحات مصحفي توقفت عند حوار تربوي جميل هادف تناولتْه سورة الصافات، وهي تتحدث عن خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام..
حيث قال جلّ وعلا على لسان إبراهيم -عليه السلام- في سورة الصافات آية 102: "فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى.."، فكل كلمة في الآية الكريمة تحوي معنىً عميقاً وغزيراً في المعاني التربوية والرقي.
إذن نادى عليه السلام ابنه بأرق الكلمات وأعذبها "يا بني" لنستشعر فيها معنى الأبوة وصدق قلب الأب المحب لابنه.
وفي قوله: "إني أرى في المنام أني أذبحك" دلَّ على العلاقة الطيبة والوثيقة التي كانت تجمع بين الأب وابنه؛ لدرجة أنه حرص على أن يحكي لابنه منامته، بل ويستشيره في ذلك المنام "فانظر ماذا ترى".
وهنا وقفة ندرك فيها أن إبراهيم -عليه السلام- يستشير ابنه إسماعيل -عليه السلام- في أمر جاءه من السماء، وما كان من إبراهيم إلا السمع والطاعة لمولاه وخالقه في الأمر الذي أمر، وهو سبحانه أحب إليه من ولده، لكن ندرك هنا روعة الحوار.. حيث راح يبين لابنه الأسباب ويوضح علاقة الود والرحمة والاحترام وأنه -عليه السلام- حاور ابنه وراعى أنه شاب وأحسن في محاورته رغم عظم الأمر، ولم يذهب إليه بالقوة وقال هذا أمر الله ولا يهمني ابني ولا يهمني أن أوضح له، بل جسد معنى الحوار الراقي الحنون مع ابنه.
لذلك سنجد تكملة الآيات التي جاء فيها الرد من الابن لنرى جمال الرد الذي أثمره حوار والده الراقي إذ قال: "قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"!
إذ لم يغضب الابن بل رد بالجمال، كما قال الأب يا بني، رد الابن بيا أبتِ وسلم كل التسليم لوالده وأخبره أن يفعل ما أمره الله، وقال ستجدني من الصابرين، إذ إن الصابر يملك الرضا والقناعة في أمره.
ولو أمعنا النظر في رسم الآية في المصحف لرأينا أن الحوار متتابع في آية واحدة لم يفصل بآية أخرى لندرك سلاسة الحوار فيعلمنا أرقى معاني الحوار وأنه متسلسل ومتتابع لا فاصل فيه.
وما كان من الله الرحيم بعد أن رأى هذا التسليم من قِبل الأب وابنه فاضت رحمة الله عليهم وفدى الله إسماعيل بذبح من عنده.
من هذا الحوار الراقي نتعلم أيها الآباء والأمهات والمعلمون في المدارس والجامعات أدب الحوار ورقيه، الذي يكاد يكون معدوماً في معظم بيوتنا ونفتقر إليه فتصبح حوارات الآباء والأبناء مشاحنات وخصومات وزعل على أمور عادية، وإبراهيم هنا يحاور في أمر إلهي، ليكسب قلب ابنه ويوجهه إلى الطاعة بالحسنى لا بالغضب والغيظ.
يكفي جفاءً في بيوتنا واقتربوا من أبنائكم بحوارهم واحتووهم واحتووا أفكارهم، مهما كانت غريبة أو خاطئة، ولنجعل مثال حوار سيدنا إبراهيم مع ابنه نموذجاً لنا.
املأوا بيوتكم بأجواء الحوار ولا تبنوا أسواراً من الجفاء والصد والهجوم على الأفكار أو الأوامر من قبلكم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.