حرية العرب كجزء من أمن الغرب

أسباب الإرهاب متعددة ومتشابكة ومتداخلة، هذه ليست هجمة إسلامية على قيم التنويرالأوروبية كما يحلو للوسطية الأوروبية تقديم الأمر. هذه نتيجة لغياب هذه القيم في التعامل مع العرب في الربيع العربي وفي النزاع العربي الإسرائيلي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/03 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/03 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش

لا يتوقف الحديث عن خطر الإرهاب في الغرب منذ 11 أيلول/ سبتمبر، ولكنه يأخذ الطابع اليميني، ويلبس بأناقة الثوب الشعبوي، حسب التقليد المحلي لكل بلد غربي. في ألمانيا لبس ثوب الشرهين جنسيًّا بعد أحداث كولن بداية هذا العام، "لأنهم مكبوتين جنسيًّا بسبب تعاليم دينهم المتشددة". في باريس شارلي إبدو في فبراير/شباط 2014 لبس ثوب معاداة الحرية بسبب نظامهم الأبوي الديني واليوم في بروكسل.

يجوز الحديث أيضًا عن مسؤولية غربية واضحة عن هذا الإرهاب الذي يصيب القارة العجوز والمشرق العربي، الحديث عن مستويين من السياسة التي إنْ لم تدفع هؤلاء الشباب باتجاه هذا الخط الراديكالي، فهي أقفلت جميع الأبواب في وجههم، ولم تترك أمامهم سوى الصواعق خيارًا للخلاص، كما كتب إبراهيم البكراوي في وصيته "لم أعد أعلم ماذا أفعل، أنا مطارد في كل مكان" حولتهم سياسة الاندماج الفاشلة إلى مجرمين وصنعت منهم السياسة الأمنية إرهابيين يائسين.

السياسة الداخلية:

لا يمكن القبول بوجهة النظر الأوروبية المتعالية، التي تنظر إلى المنتمين لتنظيمات جهادية على أنهم مجرد مسلمين يعيشون لديهم ويتحدثون لغتهم. هذا مناف للواقع! هؤلاء مواطنون أوروبيون بكل ما للكلمة من معنى، أبناء الجيل الثالث الذين أهملتهم الدولة في أحياء تعج بالجريمة، ولم يتقبلهم المجتمع الذي لم يرَ فيهم سوى إرهابيين أو في أفضل حالات السلم غرباء عن ثقافته.

لم تشفِ الدول الأوروبية -صاحبة القيم المتكبرة والجامدة- فراغ الهوية في صدور شباب لم يلقوا تعليماً جيداً بأغلبهم، فلماذا تنتظر منهم أن يقابلوها بالولاء وهي لم تقدم لهم المواطنة الحقة والمتساوية مع باقي الفئات المجتمعية؟

يختلف جيل الشباب المجاهد لدى داعش عن جيل شباب الجهاد لدى القاعدة.. القاعدة اعتمدت على الطلبة المهاجرين في الغرب لضربه، أما داعش فتمددت لدرجة جَذْبها لفئات تبدو غريبة، من حيث طقس الحياة والهموم اليومية عن مسائل كالجهاد، إلى معسكراتها في الرقة والموصل، ثم أعادتهم إلى مجتمعاتهم لتظهر هناك وتبقى تحقيقًا لشعارها المرفوع "باقية وتتمدد".

"الشرطة مكروهة في هذه الأحياء، ولا أحد يبلغ عنهم بل يتعاطفون معهم".. هذا ما أوردته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن مساعد في الشرطة البلجيكية يتحدث عن حي "مولنبيك" ذي الغالبية المسلمة من المغرب العربي، ما هي أسباب هذا الكره؟ هو السؤال الذي يجب على حكومة بروكسل الإجابة عليه قبل الإقدام على أي عمل أمني أخرق، وحصر التعامل مع مسلمي تلك البلاد بالعصا الأمنية التي ترميهم في أحضان الهوية الدينية، لأن الهوية الوطنية الأوروبية مشوهة في وجدانهم.

لا يستفيق الغرب على مواطنيه المسلمين، إلا بعد حادثٍ إرهابي مؤلم، فمن دفع فقراء الأحياء المهمشة لبناء مجتمعات موازية منفصلة تمامًا عن المجتمع الغربي غير هذه سياسة الهجرة الخاطة التي تحاور المسلمين فقط عبر أئمة المساجد أو الكتاب الخارجين من العباءة الدينية!

السياسة الخارجية:
وقفت أوروبا موقف المحايد الظاهر والمؤيد الضمني "كما تبين تعاون المخابرات الأوروبية مع المخابرات الأميركية" أثناء احتلال العراق وأفغانستان، ووقفت موقف المحايد السلبي أثناء الثورات العربية، التي رفعت شعارات هي أكثر الشعارات قربًا إلى ما يسمى القيم الغربية في تاريخ الوطن العربي. تنكّر الغرب بمؤسساته وقسم غير صغير من مجتمعه المدني لحقوق الشعوب العربية بالحرية والديمقراطية، وخان الربيع العربي، وتنصل الغرب لقيمه ومارس نظرته
الاستشراقية التي ترى فينا مجموعات دينية لا تنفع سوى للاحتراب في سياسته الخارجية، وعبّر الغرب عن مخاوفة يوميًّا على مصير الأقليات التي سهل وصولها قبل غيرها بكثير إلى أرضه.

على الغرب أن لا يردد كلام بوش الغبي: إنهم يكرهوننا ويكرهون أسلوب حياتنا. على الغرب أن يخرج من الدائرة المفرغة ويسأل نفسه: ماذا فعلنا لهم؟ هنا فقط وليراجع تاريخ كولونيالي طويل وتأييد أنظمة استبدادية. على الغرب أن يدعم ويعمل على نيل هذه الشعوب حريتها كي يعيش هو بأمان. وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقره أوسلو، على الغرب أن يؤمن أن حرية العرب مقابل أمن الغرب. حرية العرب من الاستبداد والجماعات الإرهابية، لأن كل واحدة مولدة للأخرى تعيش على وجودها وتقتات من أعمالها وتدور المجتمعات العربية في دوامة دموية بين الاثنتين.

أسباب الإرهاب متعددة ومتشابكة ومتداخلة، هذه ليست هجمة إسلامية على قيم التنويرالأوروبية كما يحلو للوسطية الأوروبية تقديم الأمر. هذه نتيجة لغياب هذه القيم في التعامل مع العرب في الربيع العربي وفي النزاع العربي الإسرائيلي.

بالطبع هناك إرهاب ديني وطائفي نعانيه كعرب ومسلمين قبل وأكثر من الأوروبيين. أما المفارقة، فإن هذا الإرهاب لا تقوى شوكته إلا بغياب العدالة في المجتمعات وتفشي الظلم، وهنا على الغرب أن يتحمل مسؤوليته والتعامل مع الإرهاب كمشكلة داخلية مجتمعية تبدأ بالتعليم وفرص العمل لا على مكاتب محقيقي الشرطة المحلية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد