الأول من أبريل/نيسان، هو يوم صحوة المتدينين، وفجر المتنطعين، وبشارة المتساهلين..
هو اليوم الذي فيه يكون الكذب حراماً عند البعض، وحلالاً عند آخرين..
لا نتذكر التحذير من الكذب إلا في هذا اليوم، أما التخدير فقد طال باقي أيام عامنا، فنحن لم نتنزه عنه بعد .. لكننا بغشاوة تغطي قلوبنا نرى العالم..
أما قبل:
أذكر حين كنت طفلة، أني وإخوتي ممن طالهم الأول من أبريل/نيسان، فقد قمنا بمقلبٍ صغير، نحيي به هذا اليوم، وإلا كان يوماً عادياً كسائر الأيام…حدث أن هاتفنا جارتنا المقربة، وتمتمنا لها بصوتٍ ترجف له القلوب، أنّ أمي قد غُشي عليها فجأة، ولا ندري ماذا نفعل… فهرعت بوجه خطف الخوف لونه، وتشتت ملامحه، وبذاكرة تعرض أمامها كل تفاصيل عشرتهم.. وبعقل يخشى أن يتوقع حقيقة مؤلمة..
أذكر تلك القهقهات المدوّية لنجاح ذلك المقلب، وذلك الصمت والجمود الذي سكننا حين اعترتها نوبة من غضب لما حصل.. لم أعد أذكر ماذا حدث بعدها إلا أنه كان المقلب الأخير…
أما بعد:
دعوني أعود لأقرع أبواب ضمائركم، وأقف على رصيف أخلاقكم ألملم ما تبقى فأبني به قامات صدقكم..
لن أتحدث بلسان فقيه هذه المرة، ولا لسان مُرهب..
سأتحدث بلسان جاهلي، وبعقله، وقلبه..
فبالرغم من كفر أهل الجاهلية، وضلالهم، وزيغهم، وانحرافهم، كانوا يترفعون عن الكذب، ويستحيون من أن يؤثر عنهم، أو ينسب لهم..
أبو ﺳﻔﻴﺎﻥ مثلاً ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻛﻔﺮﻩ، ﺗﻨﺰﻩ عن ﺃﻥ ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺎﻟﻜﺬﺏ ﻭﻟﻮ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ ﻛﺬﺑﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﺨﺒﺮ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ…
ومن أشهر الوقائع التي تؤثر عنه، تلك التي حدثت بينه وبين عظيم الروم هرقل حين سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيا بشّرت بزوال ملكه!
فأجابه ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ولم يكذب، حتى قال: "ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮﻻ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺄﺛﺮﻭﺍ ﻋﻨﻲ ﻛﺬﺑﺎً ، ﻟﻜﺬﺑﺖ ﻋﻨﻪ ﺃﻭ عليه!"
أدينه منعه، أم خوفه من أصنامه؟
أم خصال مروءته، وأخلاقه؟
تأملوا ذلك جيداً!!
إياكم والكذب!
الكذب وصمة عار على جبين الكذاب، لا تُمحى ولا تُنسى حتى بموت صاحبها، تطارده أينما نزل وحلّ..
يكفيه أنه عدو لنفسه قبل كل شيء، فهو كتلة فتنة متحركة، تشعل النار هنا وهناك، ويؤجج لهيبها حين يحلو له..
قد نسوّغ بعض كذباتنا "بالبياض" لتستعذبها نفوسنا، ويتقبلها الآخرون، ونسينا أن حبل الكذب يجر بعضه بعضاً، فمتى بدأت تبيضاً للكذب، جرّت الكذبة أختها، وتداولت الأيام، لتخطّ كتابك وتحملك إياه بشمالك..
فالكذبة الواحدة تخترق السياج الحائل بينك وبين الكذب حتى يبقيك عنه بلا حائل ولا ساتر. فإن وقع مرة هان شأنه، وأصبح سجية وطبيعة..
ما بالنا إن طال الكذب ديننا، وفتاوانا، وكل معاملاتنا؟
ماذا عسانا نفعل إن أصبح الكذب ملحُ حياتنا، ودقيق مواقفنا.. ؟
أخبروني متى يضحي الصدق فجراً لأمتنا، وينتهي به ليلُ كذبنا؟
أيعقل أن نتخذ الكذب منهجاً، والإفتراء والتساهل خُلُقاً؟
أينفع أن نستجدي الذاكرة الخائنة، لنتجسس بها على أخلاق أمتنا الغابرة؟
كلما حدثني أحدهم عن حلول لإنقاذ أمتنا، أتحسسُ مسدسي علّي به أُسكت ضجيج التنظير والسفسطة..
فقط! إبدأ بتطهير نفسك من زلاتك المميتة للقلب، وعقمْ أخلاقك بمبيدات جاهلية، تستحي بعدها أن يؤثر عنك أو ينسب لك أيّ خلق ذميم..
ارمِ شهواتك بشهبٍ من نار تكوي به نزوات الحرام التي تعتريك أحياناً.. وجعل الله رقيباً عليك وشهيداً على أفعالك وأقوالك…
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"- قرآن كريم سورة التوبة 119
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.