"الكْراكاجْ"، "الكْلاشْ"، "الكورطيجْ".. وغيرها من المصطلحات المستوحاة من مدرجات ملاعب كرة القدم، هي ليست بالكلمات القديمة التداول، وإنما عبارات حديثة الاستعمال بملاعب كرة القدم الوطنية، حقوق وملكية تأليفها تعود لما بات يُعرف بـ"الألتراس". هذا الأخير الذي تختلف تعاريفه من بلد لآخر ومن دوري لآخر، إلا أنه يمكن تعريفه باختصار شديد بأنه هو ذلك التنظيم الجماهيري الرامي إلى تشجيع فريق معين. إلا أنه بالرجوع إلى الترجمة الحرفية لمصطلح "الالتراس" ذي الأصول اللاتينية، نجد أنه يعني كلمة "المتطرفين" وهي جمع لمتطرف، هذا الأخير الذي يُعد من المصطلحات المخيفة التي أصبح يتم تداولها في الآونة الأخيرة، ولا سيما لاقترانه بآفة جد خطيرة تهدد الأمن والسلم المجتمعي والدولي، وهي الإرهاب، كسلوك ناتج عن انحراف وتطرف فكري وديني.
هذا التطرف الذي لم يعد مقترناً أساساً بالدين، وإنما امتدَّ لمجموعة من المجالات، ومنها المجال الرياضي، وأصبحنا معه أمام ما يمكن وصفه بالتطرف الرياضي، الناتج عن سوء فهم في ماهية التشجيع وأساليبه عند بعض المحسوبين على اللاعب رقم اثني عشر. بحيث أصبحت ملاعب كرة القدم الوطنية لا تخلو أسبوعيًّا من تطرف ومن أحداث شغب، تأتي على الأخضر واليابس من مجموعة من الشباب، ومن مختلف الأعمار ممن استهوتهم مشاهدة الساحرة المستديرة. هذا التطرف الرياضي الذي تسبب في تمييع تلك الصور واللوحات الفنية الجميلة التي تحدثها المجموعات المنضوية تحت لواء ما يعرف بـ"الألتراس"، كجهاز جماهيري يسهر على حسن إظهار العرس الكروي في أبهى الحلل. إلى درجة أصبح معها لهذه المدرجات كذلك عشاق وجمهور عريض، همُّه الأساس ليس هو متابعة ما يجري من دناءة في الأداء فوق أرضية الملعب، وإنما المتابعة عن كثب لما يجري من احتفالية في المدرجات التي لا يتأثر أهلها لا بالشمس الحارقة ولا بالأمطار الغزيرة ولا بغياب النتائج الإيجابية.
فما حدث مؤخرًاوالذي في مركب محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء من أحداث شغب، خلفت ضحايا ومصابين بالعشرات من الشباب، حدث إن صح وصفه فإنه لا يوصف إلَّا بالحدث المأساوي الناتج عن سلوكات أساسها هو هذا التطرف الرياضي.
والذي بتشخيص دقيق للأسباب الكامنة وراءه، يمكن الخلوص على أن ما هو إلا نتاج لصراعات فصائلية ليس بمفهومها الإرهابي المحض، وإنما صراعات لمجموعة من الشباب الذين يجمعهم حب فريق واحد. إلا أنه وفي ظل غياب ثقافة تدبير الخلاف والاختلاف لدى المواطن المغربي عامة، والمشجع الكروي خاصة، فإنه لا محالة سنكون أمام نتائج سلبية لهذا الاختلاف. هذه النتائج المحفوفة بالصراع والتطاحن والشغب، والذي قوامه سلوكات أشخاص لا يمتون بصلة للعشق الحق لفريقهم المفضل، ولا للتشجيع الحضاري الذي كان وما زال سمة دالة على رقي إبداع "الألتراس" في التشجيع.
فإذا كان لهذا الإبداع في التشجيع بالمدرجات هواة وعشاق كُثر، فإنه وبالمقابل كذلك للشغب وللتطرف بهذه المدرجات عشاق أكثر. ممن يعتبرون أن المدرجات مجرد فضاء لتفريغ النزوات الخبيثة، والحقد المجتمعي الذي أفرزه الوسط المعيشي والواقع المعاش. وهذا ما نبغي معه إعادة النظر في المقاربة الأمنية باعتبارها كفيلة بالحد من هذا الشغب، ومن شأنها احتواء هذا الاحتقان المدرجاتي، وذلك بتشديد الرقابة على ولوجية هذه المدرجات، حتى لا تصبح ذلك الفضاء الجرمي الذي يفقدها جمالية الإبداع الحضاري في التشجيع. أما الاكتفاء فقط بتغريم الفرق مبالغ مالية، وحرمانها من اللعب بالجمهور، ومنع نشاط "الألتراس" بالمدرجات فكلها عقوبات لن تزيد الطين إلّا بلَّة، ولن تزيد مستوى كرة القدم الوطنية إلّا رداءة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.