نقضي عمرنا نطارد أشباحاً نسميها أهدافاً، ولا نرضى بما قسم الله لنا من زرق في علمنا وعملنا ومالنا وأولادنا وواقعنا. فإذا ما بلغنا المرجو بعد عناء، فإذ به لا يختلف كثيراً عما خلّفناه وراءنا، ثم نعيد الكرّة ونبدأ رحلة المطاردة لوهم جديد.
يفنى العمر ونحن نراكم الشهادات، والأموال، والألقاب، علّها تجلب لنا الطمأنينة المرجوة. مغفلين أنها بتراكمها، تضيّق فسحة السعادة في حياتنا، لنكتشف متأخراً أنها لم تجلب سعادة وإنما "أتاحت لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية" حسب تعبير أحلام مستغانمي.
لا نقنع أبداً بما بين أيدينا، ونتطلع دوماً إلى ما في أيدي الآخرين. نتحاسد ونتباغض، ونحيك المؤامرات الصغيرة، ونخادع أنفسنا بوصف ذلك بالطموح.
تضيق الصدور بما ألمّ بها من ثقل الهموم، ونهرب من حاضر لا نرضى فيه، ومستقبل نخشى مآلاته، إلى ماضٍ كم كنا نستعجل انقضاء أيامه.
نصحو باكراً، نضع أقنعتنا التي أصبحت جزءاً من طقوسنا اليومية، ونستر بها هموم الروح كما نستر بالملابس سوءَات الجسد، محاولين رسم ابتسامة مزيفة تواري همومنا، نلتقي وكل واحد فينا مختبئ خلف قناعه، يحاول جاهداً إقناع الآخرين بصدق ابتسامته وعفويتها، يأكل قلوبنا الحسد، ونحن لا ندري أنه لو نظرنا تحت هذه الأقنعة وما تخفيه، لما وجدنا ما يدعو للحسد، بل للرثاء.
تذهب إلى طبيب القلوب تشكو إليه إحساسك بضيق الصدر، علّه يجدُ سبباً عضويًّا تحمّله المسؤولية، يبتسم هو الآخر خلف قناعه الخاص، ويضع سماعته، ويصغي إلى نحيبٍ ليس بغريب عليه. يحار بمصدره: أهو وجيب قلبه أم قلب مريضه!
يتلعثم ببضع كلمات، وهو يعلم مسبقاً بعدم جدواها. ويصف بضع حبيبات من دواء، خبُر فشلهن بتجربة شخصية.
أتذكر هنا قوله تعالى "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، نعم إنه الكبد، طبيعة هذه الحياة؛ تختلف أشكاله وأسبابه لكنه هو الكبد في النهاية، قد يختلف بين شخص وآخر، لكن هذا الاختلاف هو في المظهر، أما الجوهر فهو واحد.
تستلقي على السرير بعد يوم مضنٍ، وتحاول استدعاء نومٍ لم تذق طعمه منذ زمن، تعلم أنه لن يأتي، أو بأحسن الأحوال لن تستطيع عيناك الإطباق عليه والتمتع بلذته بعد طول صحو ويقظة. تتقلّب، وتتقلب ثم تطبق فكيك حد الوجع آملاً أن تحظى بقليل من النوم.
تتوضأ لتصلي ركعتين في جوف الليل الساكن، إلا من وجيب قلبك، تناجي خالقاً تلقي بين يديه همومك وتسفح عنده دمعات حرّى علها تغسل ما ران على قلبك، تناجيه وتبتهل إليه أن يرحم قلوباً أنهكها طول المسير، ووعورة الدرب وضياع الهدف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.