الرسالة الأولى: على خشبة المسرح أسرح
ترددتُ كثيراً قبل كتابة هذا المقال، لكن هناك رسالة من فتاة من مواليد الثمانينات لا بد من إيصالها لكم من أجل الأجيال القادمة وسفراء المستقبل. كفتاة تهوى حضور المسرح الأدبي التمثيلي لروايات أدبية عالمية في أوقات فراغها، وكان آخر مسرحية حضرتها في مسرح ڤيكتوريا في العاصمة لندن هي "بيلي إليوت" من تأليف الكاتب الإنجليزي "لي هول" Lee Hall.
الطفل الذي لعب دور "بيلي إليوت" وأتقن المسرحية بكل حذافيرها ببراعة وإتقان لا يتعدى عمره العشر سنوات. لم يكن الطفل الوحيد في المسرحية، فهناك عدة أطفال ولا يقلون إبداعاً عنه، ولكن سأتحدث عن الطفل الذي لعب دور "بيلي إليوت" لأنه بطل المسرحية وأكثر الأدوار كانت على عاتقه.
في بداية الأمر قلت لنفسي.. لو لم يكن هناك عائلة محبة للفن ترعاه وتنمي من موهبته لما برع الطفل بفنه وعزز من ثقته بنفسه.. بعد نهاية المسرحية ذهبت لأرى المسؤولة وأسألها عن أهل هذا الطفل؛ لأسألهم عن طريقة تنمية هذه الموهبة فيه، إلا أن المفاجأة عندما أخبرتني بأنه ليس الطفل الوحيد الذي تقدم لهذا الدور؛ فهناك ما يزيد عن ثلاثة آلاف طفل من أنحاء بريطانيا تقدموا لهذا الدور ومن أعمار تتراوح ما بين الخمس سنوات إلى 14 عاماً، ولكن هذا الطفل كان الأبرع فيهم حتى اجتمع رأي اللجنة عليه ليؤدي هذا الدور.
أي أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف طفل مبدع في المجال المسرحي الأدبي الإنجليزي.. وهذا إن دل فيدل على أن هناك اهتماماً من المدارس الإنجليزية بفن المسرح العالمي في الأدب الغربي ومادة تُدرس للأطفال في المرحلة الابتدائية وأساسيات تبني عليها العائلة بالبيت لمتابعة أبنائهم والتطوير من مهاراتهم.
من يتابع حسابي في وسائل التواصل الاجتماعي يجد أنني كثيراً ما أكتب (على خشبة المسرح أسرح).. نعم أسرح كثيراً مما يشتت متابعتي لأحداث المسرحية الشيقة لبضع دقائق.. أسرح لأنني أتذكر بأن في المرحلة الابتدائية لم أحضر غير مسرحيتين في مسرح المدرسة أو الساحة المدرسية.
المسرحية الأولى: عندما طُلب من الطالبات لجميع المراحل بالجلوس في ساحة المدرسة وتكون المحاضرة بعنوان كيفية تغسيل وتكفين الموتى مع تطبيقها عمليًّا على "دمية" كبيرة وعلى مرأى الطالبات.. كنا في الصف الأول الابتدائي.. كان الفتيات يبكين وفتاة تلو الأخرى تشهق وتغص بالبكاء مع حالات من الإغماء تأثراً من العبارات المحزنة وهول المنظر، عندما يُطلب من فتيات صغار أن يتخيلن أنفسهن مكان الميت.. كنت أحاول أن أُفهم البنات بأنها لعبة وليست حقيقة مع صدمة معنوية تلقيتها كما تلقاها الكثير من الطالبات في مدارس أخرى في مرحلة الطفولة
المؤلم أو الطريف بالموضوع أن هناك معلمات كن يتجولن حولنا ليشاهدن من تبكي ومن لا تبكي. في نظرهن كان البكاء يدل على خشوع، ومن لا تبكي فهناك قسوة في قلبها ولا بد من مراجعة حساباتها كقلوبنا الصغيرة.
المسرحية الثانية: في يوم من الأيام طُلب من جميع الطالبات الجلوس في ساحة المدرسة لمحاضرة أخرى وهي عبارة عن شريط مسجل.. ابتدأ الشريط بصوت عوووووو (عواء الذئاب) وأصوات أخرى بمكبرات صوتية مفزعة وفتاة تصرخ ومن ثم أحدهم يقول احذري الذئب البشري.
بعد المحاضرة -والتي استمرت لساعات طويلة- يُطلب منا الذهاب لصفوفنا حتى ندرس الرياضيات والمطالعة والعلوم وغيرها ونحن بحالة هلع ورعب، ولم نكن نفهم من هو الذئب البشري.
ولا أعلم كيف يكون الرجل وهو الأب والأخ والابن والزوج والجد والعم والخال، ذئباً بشريًّا، مما يعمل على إخراج أجيال لا تعرف كيف تتعامل مع بعضها بعضاً.
المغزى من هذا المقال ليس انتقاد لزمن مضى ولن يعود، وإنما للتفكير معاً من أجل الأجيال القادمة والحالية وبناءً على ذلك:
1- لماذا لا يكون لدينا -أو بالأصح لدى الأجيال الحالية والقادمة الذين هم أطفالكم وأطفالنا- مادة المسرح المدرسي في الأدب العربي مثل مسرحيات توفيق الحكيم وأيضاً الأدب الغربي لروايات عالمية مترجمة مثل أنطون تشيخوف وشكسبير وڤيكتور هوغو.. وغيرها الكثير حتى تُدرس للأجيال الحالية والقادمة لكي ترى وتعكس كل ما هو جميل، وخاصة بأن هذا الشيء لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولا أحد أيضاً يخفى عليه ما يبذله الوطن وحكومتنا الرشيدة من مال وجهد ليرتقيا بأبنائهم في مختلف المجالات العلمية والفكرية والثقافية.
2- لماذا لا يُعمل على تحويل الروايات الهادفة والقيمة إلى مسرحيات والتي تكون في إطار الأدب التمثيلي والقصة التمثيلية، مما يدعم تراثنا الوطني وينمي ميراثنا الأدبي وهذا المشروع يحتاج لجهد جبار من مثقفي الوطن وبقسميه العربي والإنجليزي للنهوض به؟ إن تحقق هذا الشيء فسينشأ لدينا جيل مبدع (ذكوراً وإناثاً) يتقن الفن المسرحي، وستكون لدينا مسارح عالمية بمواهب وطنية وستكون محط أنظار العالم أجمع، وأتمنى أن أكون أحد المشاركين في تأسيس هذا المشروع الجميل.
وأدام الله على مملكتنا الحبيبة نعمة الأمن والأمان وشعوب العالم أجمع