إضراب المعلمين والقيم الضائعة

حفاظاً على هذه الروح التي ترفض الظلم وتغار على حقوق المعلم، لا بد من نقابة حقيقية تحميه. ولن يكون هذا إلا بانتخاب لهذه النقابة من قبل معلمينا الأفاضل، انتخابات ترعاها نقابة المعلمين الجامعيين، وتقف معها وترعاها لأن نهضة الجامعات من نهضة المدارس

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/27 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/27 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش

أخذ إضراب المعلمين في المناطق التي تشرف السلطة الوطنية الفلسطينية على الإدارة التعليمية في مدارسها، بعداً جديداً هذه المرة يعزى إلى المشاركة الواسعة للمعلمين فيه، والضجة التي أحدثها لتصل أعلى المستويات السياسية في الدولة الفلسطينية التي يفترض من وجهة نظر النظام السياسي فيها أنها دولة وليدة، تقاوم الاحتلال وتنفض سنوات التأخر والشقاء التي تسببها باحتلاله لأراضيها، وأن التنمية لدولته الوليدة لن تبدأ إلا من صفوف مدارسها المكتظة بأبناء شعب ينظر للتعليم بقدسية، فمن هذه الصفوف يجب أن يخرج الطبيب والمهندس والمعلم والعامل والفني.. وكل الكفاءات التي تحقق الكفاية العلمية للبلد ومنها تتحقق التنمية والكفاية، لا من استيراد الخبراء الأجانب من خارجها.

حال المعلمين لم يتغير منذ سنوات، لكن الجديد بالأمر هو شعورهم بالخداع من قبل نقابة كانت تخدر قضيتهم إرضاءً للحكومة، هذا الشعور بالخداع هو الذي صب الزيت على النار ليخرج الآلاف رافضين للخداع قبل رفضهم لوضعهم الذي لم يتغير منذ سنوات.

الشعور بالخداع كان الشرارة التي فجرت الإضراب، ورفض الظلم الواقع على المعلم كان المحرك لهذه الاحتجاجات، فنقابة تمثل أكبر قطاع من قطاعات الوطن، ألا وهو قطاع التعليم لم تعطِ للمعلم الشعور بالأمن اتجاهها، والحكومات المتعاقبة لم تعطِ للمعلم أبسط حقوقه، ويسير التعليم تحت منظومة من الخداع والظلم، ويأت رمضان!..

نعم من رمضان الماضي سوف أبدأ! وتحديداً من المسجد الأقصى قبته الصخرة جدرانها، التي شوهت بخربشات ضيوفها. هذه الحادثة أضاءت ضوءاً أحمر يشير إلى خطورة الوضع الذي وصلت إليه القيم بين أبنائنا الطلبة. أنْ يدخل شاب أو شابة إلى ساحات المسجد الأقصى وعلى جدران جامع قبته الصخرة وما تمثله من قيم دينية ووطنية وثقافية وجمالية، أنْ يدخل غير عابئ بالأهمية الاعتبارية لهذا المكان وبخط بخربشاته ما خط على جدرانها، يعكس ومع الأسف خطورة الحال الذي وصلت إليه المنظومة التعليمية والتي تتحمل مسؤولية إدارتها الجهات السياسية المتقلدة لنظام الحكم في بلادنا.

فقد يهمل البعض العلاقة المهمة بين النظام التعليمي والنظام السياسي المشرف عليه، وأهمية هذه العلاقة في المحافظة على القيم، ولكي نوضح الصورة سنضرب المثال الآتي لتوضيحها بعيداً عن الحشو الأدبي، ففي ليبيا الثورة.. هل القيم التي يتحدث عنها المعلم هي نفس القيم التي كان يتحدث عنها نفس المعلم في ليبيا القذافي؟ الإجابة قطعاً لا.

فبسقوط القذافي سقطت معه قيمه القذافية، أاصبح المعلم يصدح بقيم جديدة تتحدث عن الحرية والمقاومة والعيش الحر، وغيرها من القيم التي حرمت الأنظمة العربية شعوبها منها، بل وحاربتها وحاربت معها المعلم الذي يحميها في سبيل تثبيت حكم زائل بقدر الله وحكمته في هذا الكون.

هذه القيم التي غابت من عقول أبنائنا ما كانت لتغيب لولا دور المعلم في المجتمع، فالمعلم في مدرسته هو الحامي لهذه القيم، وهو الذي يمررها من جيل إلى جيل محافظاً بهذا على الموروث القيمي الحضاري الذي يميز مجتمعنا الفلسطيني. هذا الحامي أرهقته منظومة الظلم والخداع، وضاع هم الحفاظ على القيم مع ضياع حقوق المعلم وأهمها هيبته، التي أضاعتها النظم السياسية المتعاقبة على إدارة المؤسسة التعليمية، فضاعت القيم بضياع هذه الهيبة.

إذن ببساطة نظام الحكم السياسي هو الموجِّه لدفة التعليم، وهو الذي يُعنى بتوجيهها نحو العناية بهذه القيم ونبذها لسلوكيات أخرى، وبالتالي يتحمل النظام السياسي لأي دولة ضياع هذه القيم، وتفريغها من المجتمع. ولك الآن أن تتخيل نظاماً سياسيًّا يمثله رئيس جامعي قام باعتقال الدكتور عبد الستار قاسم قبل أن يصبح رئيساً للحكومة. ويعتقل الدكتور قاسم مرة أخرى بعد أن بات يرأس الحكومة!

وفي نفس النظام السياسي، يصف رئيس كتلته البرلمانية المعلمين المطالبين بحقوقهم بالحثالة، ولا يتورع حتى عن التلميح بخيانتهم لأنهم يطالبون بحقوقهم! ناهيك عن اعتقالات طالت العديد منهم لدورهم القيادي في توجيه الإضراب، وقبل كل هذا لا ننسى أن دفع المعلمين لخوض إضراب يطالبون فيه بحقوقهم المادية هو في الحقيقة مس لهيبة المعلم التي ضربها النظام السياسي فضربت القيم بعدها.

ولا ننسى وزارة التعليم في هذا النظام، التي تشغل نفسها منذ سنوات في إيجاد بديل لنظام التوجيهي وتغفل ضياع نظام الحفاظ على قيمنا كشعب تحت الاحتلال! وبدلاً من أن توجه طاقاتها نحو نهضة البلد باعتبارها الوزارة المسؤولة عن رفد البلد بالكفاءات من أبنائه، وجهت طاقاتها نحو صنع مستقبل الفرد، فأصبح التعليم هادفا لصنع فرد، لا لنهضة بلد وهناك فرق كثير بين الاثنين لا مجال للحديث عنه هنا.

نجح الإضراب في الحشد والتظاهر، وحشد المعلمين والأكاديمين وكل فئات الشعب الرافضة للظلم الغيورة على أبنائها لإدراكها بأهمية المعلم في مسيرة النهضة والتنمية لأي بلد.. لكن لم يفهم بعد النظام السياسي أهمية الحفاظ على هيبة المعلم، والتي بدورها ستحافظ على القيم كونه ما زال يفاوضها في دراهم معدودة.

على أي حال.. حفاظاً على هذه الروح التي ترفض الظلم وتغار على حقوق المعلم، لا بد من نقابة حقيقية تحميه. ولن يكون هذا إلا بانتخاب لهذه النقابة من قبل معلمينا الأفاضل، انتخابات ترعاها نقابة المعلمين الجامعيين، وتقف معها وترعاها لأن نهضة الجامعات من نهضة المدارس.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.