يرى مراقبون أن تصريح بشار الأسد رئيس النظام السوري قبل أشهر، أن الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره، بل لمن يدافع عنه ويحميه، لم يكن نابعاً من فراغ، وإنما هو مخطط بات معلناً لاستملاك حلفاء النظام -وخاصة الإيرانيين منهم- لعقارات وأراض داخل البلاد، وتحديداً في العاصمة دمشق تحت قاعدة "التحسّب لأي سيناريو" بما فيها رحيل الأسد.
مصادر سورية قالت، إن تجارا ومقاولين إيرانيين قاموا بشراء عقارات وأراض سكنية في عدد من المدن السورية، بتشجيع ودعم من الحكومة الإيرانية وبتعاون من الحكومة السورية.
وأعرب مراقبون سوريون عن قلقهم إزاء سيطرة التجار الإيرانيين على سوق العقارات في، زمن تشهد فيه سوريا حرباً أهلية بين قوات النظام وقوى المعارضة مستمرة منذ أكثر من 5 سنوات.
تغيير ديموغرافي
وبحسب مصادر سورية نقلت عنها صحيفة "الشرق الأوسط" السبت 26 مارس/ آذار 2016، فإن سوق العقارات في دمشق وحمص ومناطق أخرى من سوريا باتت مغرية للإيرانيين، خصوصاً في ظل وجود عدد كبير من قوات الحرس الثوري، مستغلين الفوضى الحاصلة على الأرض السورية.
وفي هذا الصدد، يتهم الناشطون السوريون النظام الإيراني بالعمل على إحداث تغيير ديموغرافي واسع في سوريا "يحقق رغباته ويضمن مصالحه على المدى الطويل" كما يمكنه من توفير حالة من "الاستيطان المستديم" في دمشق ومحيطها.
وتدافع طهران رسميًّا عن وجود قوات الحرس الثوري في سوريا، وتقول إن قواتها تقدم "الاستشارة" بطلب من الحكومة السورية، وإنها تحافظ على قواتها ما دامت دمشق لم تطلب مغادرتهم، ولكن عدد قتلى قوات الحرس الثوري والميليشيات التابعة لها، يُظهر أن الوجود الإيراني في سوريا، على خلاف ما تدعيه، ذو طابع قتالي وعسكري، خصوصاً بعد مقتل قياديين من وحدات النخبة التابعة للحرس الثوري.
شبكة عملاء
في السياق ذاته، ذكر تقرير ميداني أعده "الفريق الرقمي للثورة السورية" (تنسيقية معارضة)، أن إيران جنّدت شبكة من "العملاء" في المخابرات والأمن ومن تجار العقارات ومجموعات السماسرة وأصحاب المكاتب العقارية في سوريا، عبر ضخها ملايين الدولارات في محاولة منها "لشراء عقارات وأملاك السوريين المنهكين من الحرب والراغبين بالفرار من الموت، لصالح أفرادها وعناصرها في كل منطقة حيوية".
ووفقا للتقرير، فإن بشار الأسد أصدر قراراً يتضمن مصادرة أموال الفارين من بيوتهم تحت ذريعة "مصادرة أموال داعمي الإرهاب".
تزوير السجلات
وذكر مصدر سوري رغب في عدم الكشف عن اسمه، أن قوات النظام ركزت "قصف البراميل" على أحياء سكنية في عدد من المناطق الراقية بغية تهجير أهلها من أجل مصادرة العقارات وبيعها إلى الإيرانيين.
بدوره، يشير تقرير "الفريق الرقمي للثورة السورية" إلى أن إيران قامت بـ"تزوير بيانات وقيود السجلات العقارية وتزوير وكالات ووثائق الكتّاب بالعدل وغيرها مما يتعلق بنقل الملكيات العقارية، ومن ثم نقلت الملكيات، إما مباشرة عن طريق دوائر السجل العقاري في المناطق، أو عن طريق استصدار أحكام قضائية لدى المحاكم المدنية"، كما أشار التقرير إلى أن "ابتزاز السوريين وإجبارهم على التخلي عن عقاراتهم لقاء أثمان زهيدة مقابل السماح لهم بالخروج من مناطق الحصار"، من بين الإجراءات التي تلجأ لها العناصر المرتبطة بالمشروع الإيراني.
مخطط بات مكشوفاً
ويرى المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم، أن الموضوع الإيراني في سوريا "أصبح على صعيد كبير مكشوفاً للعلن".
وأكد أن "إيران عمدت لشراء عقارات؛ سواء كانت أراضي، أو منشآت، أو أماكن مخصصة للاستخدام المدني، أو حتى الفنادق والنزل المختلفة، في مناطق متعددة في دمشق وريفها، وغيرها، إما لتوسيع البؤر المحسوبة عليها من ناحية طائفية، أو أحياناً لإقامة بؤرة جديدة تخلق مثل سياج حول العاصمة دمشق".
ورأى أن سبب ذلك أن "الإيرانيين على قناعة بأنه سيحدث تغيير في سوريا، وهذا التغيير سيخلق مرحلة جديدة الأسد سيذهب من خلالها أو قبلها أو بعدها".
وسطاء سوريون
وينقل "الفريق الرقمي للثورة السورية" عن أحد تجار العقارات في منطقة "ركن الدين" وسط دمشق، قوله إن من لديه القدرة على شراء العقارات، هم مجموعة وسطاء سوريين يقومون بتحويل ملكية تلك العقارات إلى أشخاص إيرانيين، كما أن المعلومات تشير إلى أن الإيرانيين قاموا بشراء عقارات في عدة مناطق من العاصمة.
وكانت معلومات وردت في وسائل الإعلام ذكرت إن إيران تقدم مبالغ مالية ضخمة لأصحاب الفنادق والعقارات في دمشق وحلب وحمص؛ بهدف الاستيلاء عليها وضمان بقائها في سوريا.
دمشق.. المستهدف الأكبر
وذكر تقرير نشرته "الغارديان" البريطانية في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن السفارة الإيرانية تسيطر على أراض تمت مصادرتها في منطقة المزة وسط دمشق، لبناء مشروع سكني إيراني كبير قرب مبنى السفارة.
وأضافت الصحيفة أن الإيرانيين يشترون عقارات كثيرة وكبيرة في سوريا.
فيما كشف تقرير لإذاعة "صوت أميركا"، الخميس 24 مارس/ آذار 2016، أن الحكومة الإيرانية تشجع تجار عقارات من العاصمة طهران على شراء أراض وعقارات في الأحياء الراقية في العاصمة دمشق، وذكر التقرير أن رجال أعمال إيرانيين تربطهم علاقات وثيقة بالنظام السوري حصلوا على عقارات ومنازل في الأحياء الراقية من العاصمة السورية.
وبحسب "صوت أميركا"، فإن ارتفاع طلب الإيرانيين على شراء العقارات أدى إلى تضخم في سوق العقارات السورية. ونقلت الإذاعة عن خبير اقتصادي سوري قوله إن "5 ملايين منزل تعرضت للدمار خلال الحرب الأهلية السورية"، مما أدى إلى ارتفاع الطلب الإيراني على شراء الأراضي والعقارات في دمشق.
مخطط مدعوم
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن إيران اعتمدت على رجل الدين الشيعي البارز عبد الله نظام، في ترتيب الصفقات والتعاملات العقارية في سوريا، من خلال استخدام نفوذه واتصالاته الوثيقة بالحكومة السورية.
وتابع التقرير أن عبد الله نظام تمكن من إقناع أصحاب العقارات ببيع ممتلكاتهم إلى رجال الأعمال الإيرانيين. وأفاد التقرير بأن الحكومة الإيرانية شجعت خلال الفترة الأخيرة العمال الإيرانيين على الذهاب إلى سوريا، ونقلت عن المقاول الإيراني أمير مقصودلو، قوله إنه تلقى دعوة منذ أشهر للنشاط في سوريا، وأضاف مقصودلو، أن بعض كبار المقاولين من ذوي العلاقات الوثيقة بالسلطات (الإيرانية) أعلنوا عن توفر فرص عمل للإيرانيين في مجال العقارات في سوريا، مضيفاً أنه رفض الذهاب إلى سوريا لأسباب عائلية وأمنية.
هذا، وتوجه أصابع الاتهام إلى إيران بالسعي وراء الإخلال بالتركيبة السكانية وتغيير الديموغرافية، لأهداف طائفية.
مستوطنات
من جهته، قال غسان إبراهيم، إن إيران عمدت من خلال نظام الأسد إلى تجنيس بعض الشخصيات من مكونات غير سورية، جلبتهم من الخارج وطلبت من النظام تجنيسهم مقابل الدفاع عنه، "فبالتالي هناك مجموعة كبيرة من الشخصيات والعناصر والميليشيات تم تجنيسها سوريًّا، لتصبح مستوطنات إيرانية في سوريا، إضافة إلى أنه لا يوجد عدد دقيق، ولكنه بالآلاف، حسب المعلومات التي يتم تناقلها".
وقال غسان: "النظام يتستر على هذه الأعداد وهذه العملية؛ لكي لا يفضح نفسه، وبقاؤه أصبح نتيجة الميليشيات المرتزقة التي جلبوها خارجيًّا وجيشوها طائفيًّا وإيديولوجيًّا وعقائديًّا، ومنحوها الجنسية السورية، وأحياناً سكنوها في بيوت سوريين، بعدما دخلوا إلى بعض المناطق واستوطنوا فيها، وبالتالي إيران تعمل بكل الوسائل لتقوية نفوذها المستقبلي بعد إدراكها أن روسيا تسير في مرحلة سوف تتنازل فيها عن الأسد ضمن صفقة إقليمية دولية، وبالتالي آخر الأدوات المتبقية لدى إيران في سوريا هي إنتاج هذه الميليشيات لتكون أداة إيران".
شاهد ملك
بدوره كشف القاضي محمد قاسم ناصر، النائب العام السابق لمدينة تدمر السورية، والذي أعلن انشقاقه عن النظام قبل أشهر، عن مخطط مشرعن قانوناً لاستملاك عقارات وأراض من ملّاكها الأصليين وتبليغهم بذلك عبر الصحف التي لا تصلهم، إما لكونهم معتقلين أو قتلى أو في مناطق تعاني من الحصار.
وقال ناصر في تصريحات سابقة له لوكالة "الأناضول"، "قبل تعييني في تدمر كنائب عام، كنت قاضي الصلح المدني في داريا والمعضمية (بلدتان محاذيتان لدمشق تسيطر عليهما حاليا المعارضة)، وخلال عملي في داريا بدايةً كنت شاهداً على مجزرة داريا التي ارتكبها النظام بحق مئات المدنيين العزل من المعارضين له (أغسطس/آب 2012)، وبعد تدمير داريا وقتل أهلها وتشريد مئات الآلاف من أهالي داريا والمعضمية، بدأ الشيعة والإيرانيون بالتقدم إلينا في محكمتي داريا والمعضمية ومعظم محاكم ريف دمشق التي تقع في المناطق الساخنة بدعاوى تثبيت بيع أراضي البلدتين".
ومضى قائلاً "كان الشيعة يقولون بأنهم اشتروا الأراضي من أصحابها الذين هربوا من أراضيهم أو قتلوا في المعتقلات، أصحاب الأرض لم يكونوا موجودين، ومن يدعون ملكية الأرض يتقدمون بدعوى غيابية ويأتون بوكالات من كاتب عدل مزورة يحصلون عليها من دمشق وريف دمشق وبعقود بيع وهمية ويأتون إلينا ويقولون بأن هذه الأراضي اشتريناها من أهاليها قبل أن ينزحوا عنها أو يتم اعتقالهم أو قتلهم".
وتابع "في البداية كنا كقضاة نرد هذه الدعاوى بحجة أن التبليغ باطل، والمالك الأصلي غير موجود، إلى أن أصدر بشار الأسد قانوناً يسهل للإيرانيين وأعوانهم سرقة ونهب الأراضي السورية، وهو القانون رقم 25 لعام 2013 الذي سمح بتبليغ المدعى عليه بالدعوى غيابيًّا عن طريق الصحف في المناطق الساخنة، حتى إن لم يكن موجوداً مالك الأرض في المحكمة، أجاز الأسد الحكم للإيرانيين بهذه الدعوى عن طريق تبليغ المدعي عليه بالصحف، وهو كان قانوناً معيباً وأثار استغراب واستياء كل العاملين في الوسط القانوني".