الورقة التي قلبت يومي
استيقظتُ اليومَ كالمعتادِ بابتسامتي التي أحبُّ أن أبدأَ بها يومي، أملًا في أن يكونَ اليوم أفضل من أمس، والغد أفضلَ من اليوم. جلستُ أتصفح موقع فيسبوك إلى أن رأيتُ هذهِ الورقةَ أمامَ عيني. هذهِ الورقةَ التي استطاعت تغيير الفرحةِ إلى حزنٍ، والضحكةِ إلى دموعٍ. هذه الورقة التي جعلتني أتمنى انتهاء هذا اليوم الذي لم يبدأ بعد.
ِهذهِ ورقة لفتاةٍ كتبتْها قبلَ ذهابها لتقوم بعملية "إجهاض" بعدما وقعت في الزنا مع "إيهاب" خطيبها. كتبت الفتاةُ تلكَ الورقة المليئة بالأسفِ والندم الشديدين على ما أقدمت عليه. كتبت هذهِ الورقةَ لتطلب السماحَ من والدها على ما اقترفته، قائلةً إنها لم تكن تعرف تبعياتِ هذا الأمر، وأن الفتى أغراها بكلامهِ المعسولِ وبأنهما سيتزوجان قريبًا. حتى وقع الأمر، وتركها في المشفي تجهض وحدها حتى توفاها الرحمن. بينما ذهبَ هو ليكمل عمله في قطر وكأن شيئًا لم يحدث.
أصابتني هذهِ الرسالة بالحزنِ الشديدِ، وطُرِحَ في عقلي العديدُ من التساؤلاتِ التي لم أجد لها إجابة. أولاً: لماذا يقع اللومُ دائمًا في مجتمعنا على الفتاة، رغمَ أنَّ الفتى مشاركًا معها في هذهِ الجريمة؟ لماذا تتحمل الفتاةُ وحدها تبعياتِ هذا الأمر؟ لماذا يعيشُ الشابُ حياتَه بعدما يحصل على ما يريد، بينما الفتاة تجلسُ وحدها تبكي على ما حدث لها، تحاول أن تتخلصَ من الجنين الذي يجري في أحشائِها، كأنها المذنبة الوحيدة؟ كيف يستطيعُ والدُ الشاب أن يتقبلَ الأمرَ كما هو؟ وأن الفتاةَ هي المخطئةُ دائمًا، بينما ابنه هو الملاكُ الطاهرُ الذي نزلَ على الأرض، رغم أنه الشيطان الكبير الذي أغواها واستغل ثقتها به ليصل إلى ما يريد ثم تركها!
ثانياً، من الذي أقنع الشباب أن الفتاة عندما تحادث رجلاً، تخرج معه، تقابله في السر، أنها تفعل ذلك مع شباب الكرة الأرضية؟ وأنها ليست جديرة بالثقة. يقول المثل "مراية الحب عميا"، لذلك عندما تحب الفتاة، تتأثر بالكلام المعسول مهما كان بسيطاً، وأي خطأ يمكن أن يقع هو نتيجة انجذاب طبيعي وفطري بينهما. أنا لا أبرر للفتاة خطأها، ولكني أوضح أنه ليس معنى أنها أخطأت مع شخص، أنها "فتاة ليل" وأخطأت مع الكثير قبله، أو أنها كما نقول بالعامية "خرباها' أو "مقضياها".
ثالثًا، أين ذهبَ ضميرنا؟ لماذا لا نصحح أخطاءَنا؟ لماذا لا نعترف بالخطإ المشتركِ بيننا؟ لماذا تخون ثقة والدِ الفتاةِ الذي منحك أغلى ما يملك، وهي ابنته.. ابنتهُ التي أعطاكَ إياها وهو مغمضُ العينين، واثقًا في أنكَ ستحافظُ عليها وتحميها من بعده؟ كيف تستطيعُ إكمالَ حياتِك والسفرَ للعملِ، تاركًا وراءك أبًا يبكي، أمًّا تتحسر، أختًا تعاني من صدمة، أخًا لا يستطيع أن يرفعَ رأسه وينظرَ في عيونِ البشرِ! أين ذهبَ الضمير؟
رابعًا وأخيرًا، ما معني كلمةِ حبٍّ؟ أهو مجردُ تفريغٍ لشهواتنا وغرائزنا فقط؟ إن هذا الفتي المدعوَ "إيهاب" كانت بينَه وبينَ الفتاةِ قصةُ حبٍّ طويلة. ماذا حدثَ بعدَ ذلك؟ هل انتهى الحبُ بعدَ حدوثِ هذهِ الجريمة؟ أينَ العشق والهيام والغرام؟ أينَ كلامهما المعسول؟ أينَ أحلامها بالزواجِ والاستقرار؟ لماذا ننظر للفتاةِ على أنها مجرد جسدٍ وفقط؟ ما إن نحصلَ على ما نريد حتى نتركها تعاني وحدها! تعاني من إحساسِها بالنقصِ والخزيِ والعارِ! تعاني من إحساسِها بالذنبِ لاختيارِها المتعة اللحظية وعدم التفكير في العواقب! تعاني أيضًا من شابٍّ خذلها! شابٍّ أخذ أغلى ما تملك تاركًا وراءه جثة لا تستطيع الحراكَ والمواصلةَ وحدها.
أعلمُ أن هذا المقالَ سيسببُ لي العديدَ من المشاكل، ما بين مؤيدٍ ومعارضٍ. ما بينَ شخصٍ يتفقُ مع نصفِ الكلامِ ويعارضُ نصفه، مع شخصٍ يعتقد أنني تجرأت في استخدامي للألفاظ رغم أنني حرصت كل الحرص على انتقائها بشدة. أنا لن أحزن على ما سأتعرض له من نقد، ولكن كل ما أطلبه منكم هو ألا تنتهكوا عرضَ الفتاةِ، وأن تتركوها وحدها، فهي عندَ ربِها فوقَ سبعِ سماواتٍ، وهو من سيحاسبها.
أطلبُ منكم أن تدعو لها بالرحمةِ والمغفرةِ، وأن يسامحها الرحمن على ما اقترفت مهما كانَ كبر الذنب. يجبُ أن لا ننسي عندما زنت امرأة في عهد الرسول فقال في رواية: عن عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- (إن امرأة من جهينة أتت النبي وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حدًّا فأقمه عليّ فدعا رسول الله وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها، ففعل، فأمر بها فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر بن الخطاب: أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال النبي: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن أجادت بنفسها لله) رواه مسلم.
ولا ننسى أيضاً مسامحة المسيح للمرأة التي زنت كما جاء في الكتاب المقدس(4) قَالُوا لَهُ: "يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ،(5) وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟"(6) قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ.(7) وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!" ادعوا لها بالرحمة والمغفرة. وحافظوا يا فتيات على أنفسكن واتقوا الله أيها الشباب، فكما تدينُ تدان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.