مشهد رقم (1)
في الحديث الشهير الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولفظ الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالتْ: "كُنَّا في سفرٍ، فأمر النبيُّ الجيش أنْ يتقدَّم، فتقدَّم، فقال النبيُّ: تعالي أُسابقكِ، فسابقتُه فسبقتُهُ، ثم إني نسيتُ، فتركني حتَّى حملتُ اللحم، فلمَّا كُنَّا في غزاةٍ، قال النبيُّ للجيش تقدَّمُوا، فتقدَّمُوا، فقال لي: تعالي أُسابقكِ، فسابقتُه فسبقني، فجعل يضحكُ، ثمَّ قال: هذه بتلك".
مشهد رقم (2)
وفي العلاقةِ بينهما روت عائشةُ -رضي الله عنها- أنَّها كانت تُطيِّبُ النبيَّ، وتهتمُ بزينته، وتباشرُ هذا الأمرَ بنفسِها، وكانتْ تفرِقُ رأسَه من المنتصفِ، وترجِّلُه له بخلافِ اليهودِ الذين كانوا يميلون الفرقَ.
مشهد رقم (3)
في الحديثِ الذي ورد في مسند الإمام أحمد عن اُمِّ المؤمنين صفية بنت حُييّ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حجَّ بنسائه، فلمَّا كان في بعضِ الطريقِ نزل رجلٌ فساق بِهِنَّ الجِمالَ فأسرعَ، فقال النبي لمَّا خاف على النساء:
"كذاك سوقُكَ بالقوارير!"، فبين هُم يسيرون، برك بصفيةَ جملُها، وكان بعيرُها قويًّا شديدًا، ولكنْ شاء اللُه أنْ يبركَ بها ولا يتحرك، فبكت -رضي الله عنها- فجاء النبيُّ إليها حينما أُخبِرَ بذلك، فمسح عليه الصلاةُ والسلامُ دموعَها بيدِه، وازدادت بكاءً وهو يمسحُ، فنهرها -صلى الله عليه وسلم- وأغلظ عليها، وهي -رضي الله عنها- قدْ شاقتها تلك اللمساتُ الحانيةُ، مما جعلها تزدادُ في بُكائِها، ثم سكتت، فلمَّا نزلوا، انطلقت إلى عائشةَ -رضي الله عنها- وقالت لها: تعلمين أنني لم أكُن أبيعُ يوميَ مِنْ رسول الله بشيءٍ أبدًا، وإنِّي قد وهبتُ يوميَ لكِ على أن تُرضيَ رسول الله عني، قالت عائشة: نعم، وأخذت عائشةُ خمارًا لها، ورشَّته بالماء؛ لتصعد منه رائحةُ الزعفرانِ الطيبةِ، ولبست ثيابها كأجملَ ما تكون، وانطلقت إلى الرسول، فرفعت طرف الخباء عنه، فقال: "ما لك ياعائشة.. اليوم ليس بيومك!"، فتبسمت، وقالت: ذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ، واللهُ ذو الفضلِ العظيم.
إضاءة
إنَّ المُتأمِّل للمشهد الأول بين مقام النُبُوة والزوجة الصغيرة، سيدركُ كم كان الانصهارُ بين الرُوحين عظيمًا، وكم كانت خفيفةً تلك اللحظات التي مرَّت على عائشةَ! عائشةُ التي يزورُها زوجُها في ليلتها -فيكونُ معها كما يكون مع باقي زوجاته- تنفردُ بمحمدٍ الحبيبِ، يُسابِقُها، فتسبِقُه، وتجتهدُ لأنْ تُمارسَ أُنُوثتها في حضرته دون قلقٍ أو خيفة.. النبيُّ قرَّر في هذا الموقف أنْ يُخاطِب الحبيبة، يُشاركها أُنسه وهو الأُنسُ كلُّه عليه الصلاةُ والسلام، وصولًا إلى هزيمتها ومداعبتها في المرة الثانية؛ لتدرك عائشةُ بعد أنَّه لم ينسَ دقائقهما اللطيفةَ معًا رغمِ كلِّ هذه الأعباء.. كذلك المُتأمِّلُ للمشهد الثاني سيدركُ بوضوحٍ اعتناء عائشة -رضي الله عنها- بأدق تفاصيلِ حبيبها عليه الصلاة والسلام، وكيف أنَّها لا تلمَعُ إلَّا في حضرته وحين تُكحِّل عينيها بطلَّتِه المُحمديَّة، فيكونُ منها كلُّ ذلك الحُب والدلال، وتكونُ منه كلُّ هذه الأُلفة.. أثر العلاقة بين الحبيبِ وحبيبته لم تنحصرْ في إطارٍ مغلقٍ بينهما فحسب، بل وصلت إلى باقي زوجاته -رضي الله عنهُنَّ- فيُدْركن مكانة عائشَ في قلبه عليه الصلاةُ والسلام، ويوسِّطْنها -رغم الغيرة الطبيعية- لديه حين يغضبُ مِن إحداهنَّ، بل حتى يسمحْن أنْ يُمرَّض في بيتها حين زاره -بأبي هو وأُمِّي- مرضُ الوفاة.
ببساطةٍ شديدةٍ.. الحالةُ الجميلةُ بين محمدٍ الحبيب وعائشة تخبرُك أنَّ النبيَّ رأى عائشةَ فكانتْ، وأنَّه تزوَّج النساء، لكنَّه أحبَّ عائشة!
"يتبع"
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.