انشغلت وسائل الإعلام السورية الرسمية خلال اليومين الماضيين بتوجيه الأنظار نحو تقدّم قوات الجيش السوري بدعم روسي باتجاه مدينة تدمر الواقعة وسط سوريا والتي يسيطر عليها مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) منذ 10 أشهر.
وأوردت تلك الوسائل أن وحدات الجيش وصلت إلى الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة تدمر بعد أن كبّدت مقاتلي تنظيم "داعش" خسائر كبيرة بالعتاد والأفراد في جميع محاور الاشتباك بمحيط المدينة.
وذكرت وكالة "سانا" الرسمية الخميس 24 مارس/ آذار 2016 أن وحدات الجيش "فرضت سيطرتها على وادي القبور وجبال القصور والقصر القطري غرب مدينة تدمر".
وأضافت أن وحدات من الجيش قضت على آخر تجمعات مقاتلي "داعش" في فندق ديديمان تدمر ودوار الزراعة على المدخل الجنوبي الغربي للمدينة.
في الوقت نفسه عرضت ما تسمى وكالة "أعماق" التابعة لداعش الخميس تسجيلاً مصوراً على شبكة الإنترنت لما قالت أنها مشاهد من داخل مدينة تدمر، تظهر فيها شوارع شبه خالية إلى جانب مشاهد بانورامية لبعض أجزاء المدينة الأثرية، في إشارة إلى أن تدمر ما تزال بيد مقاتلي التنظيم، نافية بذلك الرواية الرسمية.
دعم روسي
قتل أحد عناصر القوات الخاصة الروسية في سوريا الخميس قرب مدينة تدمر الأثرية، كما نقلت وكالات الأنباء عن مصدر عسكري روسي.
وقال ممثل للجيش الروسي في قاعدة حميميم في شمال غرب سوريا لوكالة إنترفاكس الروسية "قتل ضابط من القوات الخاصة الروسية في منطقة تدمر بينما كان يحدّد الأهداف الإرهابية للطائرات الروسية".
وأضاف "تم نشر هذا الضابط في الأيام الأخيرة، لتحديد أهم الأهداف التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وإرسال الإحداثيات الدقيقة لضربات الطائرات الروسية".
وتابع المصدر إن الضابط قتل خلال إبلاغ الطائرات الروسية بموقعه الشخصي لتوجيه ضربة عندما أدرك أنه بات محاصراً من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية مفضلاً الموت بدلاً من اعتقاله.
مباركة الـ"يونسكو"
بدورها أشادت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا الخميس في بيان بالهجوم الذي يشنه الجيش السوري لاستعادة مدينة تدمر الأثرية من تنظيم الدولة الإسلامية الذي دمر الكثير من معالمها التاريخية.
وقالت بوكوفا في بيانها "منذ عام، أصبح نهب تدمر هو رمز التطهير الثقافي الذي يضرب الشرق الأوسط".
وأشادت بسيطرة الجيش السوري على مدينة تدمر الأثرية "المدينة الشهيدة المدرجة على التراث العالمي لليونسكو".
وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011، كان حوالي 150 ألف سائح يقصدون تدمر سنوياً لمشاهدة آثارها، والتي دمر تنظيم الدولة الإسلامية العديد منها وخصوصاً معبدي بعل شمين وبل.
التوابل والحرير
والمواقع الأثرية في مدينة تدمر المعروفة باسم "لؤلؤة الصحراء"، واحدة من ستة مواقع سورية أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على لائحة التراث العالمي للإنسانية.
وتتوسط آثار تدمر التي تبعد مسافة 210 كلم شمال شرق دمشق، بادية الشام. وقد ظهر اسمها للمرة الأولى على مخطوطة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد عندما كانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط وإحدى محطات طريق الحرير.
لكن تدمر عرفت أوج ازدهارها إبان الغزو الروماني اعتباراً من القرن الأول قبل الميلاد وخلال أربعة قرون متلاحقة. وباتت تعرف في اللغات الإغريقية واللاتينية باسم "بالميرا" المشتق من معنى النخيل باللغات الأجنبية.
وقد ذاع صيت تدمر بوصفها واحة خصبة وفاخرة في وسط الصحراء، بفضل ازدهار تجارة التوابل والعطورات والحرير والعاج من الشرق، والتماثيل والزجاجيات من فينيقيا.
العصر الذهبي
في العام 129، منح الإمبراطور الروماني أدريان تدمر وضع "المدينة الحرة" وعرفت آنذاك باسمه "أدريانا بالميرا". وفي هذه المرحلة بالتحديد، تم بناء أبرز معابد تدمر كمعبد بعل (بل) وساحة آغورا حيث تعقد اللقاءات العامة.
وكان سكان المدينة قبل وصول المسيحية في القرن الثاني بعد الميلاد، يعبدون الثالوث المؤلف من الإله بعل ويرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر).
وقالت مارييل بيك، رئيس قسم الآثار الشرقية في متحف اللوفر الفرنسي، في أيار/مايو 2015 إن تدمر "بنيت وفق نظام غربي، حيث ساحة آغورا والشوارع الواسعة والمسارح والمعابد، حتى أنه يمكننا مقارنتها بروما".
زنوبيا
واستغلت تدمر الصعوبات التي واجهتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث لإعلان قيام مملكة تمكّنت من هزم الفرس وباتت زنوبيا ملكتها.
وسيطرت زنوبيا العام 270 على بلاد الشام كلها وجزء من مصر ووصلت إلى آسيا الصغرى، لكن الإمبراطور الروماني أورليان تمكن من استعادة تدمر واقتيدت الملكة زنوبيا إلى روما فيما انحسر نفوذ المدينة.
سجن تدمر
وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وفي ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، قتل مئات المعتقلين في سجن تدمر، الذي شكل أحد رموز قمع النظام السوري.
وقبل سقوط تدمر في يد تنظيم الدولة الإسلامية، نقل النظام المعتقلين داخل السجن إلى سجون أخرى في سوريا. وفور سيطرته على المدينة، عمد التنظيم المتطرف إلى تفجير السجن.
النزاع والمعابد
وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011، شكلت تدمر وجهة سياحية بارزة ففيها أكثر من ألف عامود وتماثيل ومعابد ومقابر برجية مزخرفة.
وأدت الاشتباكات التي اندلعت بين قوات النظام والفصائل المقاتلة في تدمر في الفترة الممتدة بين شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر 2013 إلى انهيار بعض الأعمدة ذات التيجان الكورنثية.
وفي أيار/مايو العام 2015 سقطت تدمر في أيدي جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية ما أثار قلقاً في العالم على المدينة التي يعود تاريخها إلى ألفي عام، لا سيما أن للتنظيم سوابق في تدمير وجرف الآثار في مواقع أخرى سيطر عليها لا سيما في العراق.
وفي 18 آب/أغسطس قام جهاديو التنظيم بقطع رأس مدير الآثار السابق في المدينة خالد الأسعد البالغ من العمر 82 عاماً. وفي الشهر ذاته، دمروا معبدي بعل شمين وبل.
وبعل شمين هو إله السماء لدى الفينيقيين. وقد بدأ بناء المعبد العام 17 م، ثم جرى توسيعه في عهد الإمبراطور الروماني أدريان العام 130.
ومعبد بل من أبرز معالم المدينة. وقد استغرق بناء هذا المعبد، الذي كان يزوره قبل بدء النزاع في البلاد نحو 150 ألف سائح سنوياً، نحو قرن من الزمن.
ويعيش حالياً في المدينة 15 ألف نسمة من أصل حوالى 50 ألفاً سابقاً بعد فرار الجزء الأكبر من السكان بسبب المعارك، وفق فابريس بالانش الخبير في الجغرافيا السورية.