“الصلح”.. طقوس عشائرية في سوريا لم تقتلها الحرب

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/24 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/24 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش

بموازاة الصخب القادم من المعارك في سوريا، لاتزال المناطق ذات الصبغة "العشائرية" تحتفظ بطقوسها وعاداتها في الأفراح والأتراح، وآخرها ما جرى في مدينة بصرى الشام التاريخية، في درعا جنوب سوريا، التي شهدت صلحاً هو الأكبر من نوعه في المنطقة بين عائلتين متخاصمتين، بحضور وُجهاء المنطقة ومندوبين عن كبار العائلات والعشائر.

ماذا حدث في بصرى الشام؟


تعود جذور القضية إلى عامٍ مضى، بعد جريمة قتل "بشعة" هزّت الرأي العام، بداعي السرقة، وبعد أشهرٍ توصّلت دار القضاء في حوران إلى الفاعلين، وبعد اكتشاف أن الجناة من عائلة معروفة، وتربطهم صلة قرابة بعائلة القتيل، تدخل الوجهاء لحل الإشكال، خشية تورّطه، وتم الصُلح.

وفي 22 مارس/آذار الجاري، عقد وجهاء محافظة درعا، المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، صلحاً في مدينة بصرى الشام الأثرية التاريخية، بين "آل السمارة" و"آل العثمان"، وهما "فخذان" من "آل المقداد" الكبيرة والمعروفة في المنطقة، بوساطة من "آل الحمد".

ويقول مصدر من المنطقة لـ"عربي بوست" إن "آل المقداد" من أكبر العائلات في منطقة "حوران" (درعا وريفها)، بالإضافة إلى "آل الحريري" و"آل المسالمة" و"آل أبازيد" و"آل المقداد" و"آل الزعبي" و" آل الخطيب"، وهؤلاء جميعهم يشكلون أغلبية العائلات في حوران، مع عائلات وعشائر غيرهم.

الصلح


وبحسب مصادر "عربي بوست"، فإن والد القاتلين الاثنين تكفل بتقديم أبنائه لدار العدل، مع الفاعل الثالث (ابن أخته). وبعد التحقيق تبين أن اثنين أطلقوا النار على المغدور، والثالث لم يتدخل بعملية القتل. وتم الحكم على اثنين بالقصاص، رمياً بالرصاص وتم تنفيذ الحكم منذ حوالي شهر، بينما بقي الثالث موقوفاً، حتى تمت الصلحة".

وبث المكتب الإعلامي لمدينة بصرى الشام على موقع "يوتيوب" شريطاً مصوراً لعملية الصلح (40 دقيقة) ظهر خلالها وجهاء المنطقة وهم يتلون بنود الاتفاق، والأحكام الصادرة بحق الفاعلين. وتنوعت الأحكام ما بين "القتل" و"الإبعاد" عن المنطقة لمدة 5 سنوات.

وأكد مصدر لـ"عربي بوست" أنه قد جرى في اليوم التالي للاتفاق، إطلاق سراح الموقوف الثالث في جريمة القتل، وإبعاده خارج المدينة لمدة 5 سنوات.

والتزمت "دار القضاء في حوران" التي يعتبر مركز ثقلها "جبهة النصرة بالإضافة الى فصائل من الجيش الحر"، بتنفيذ الأحكام الصادرة، وتم إطلاق سراح المتورِّط الثالث في الجريمة.

طقوس قديمة


وبمعزلٍ عن القانون ومحاكم الدولة، يدأب وجهاء العشائر في سوريا على حلّ الخلافات الكبيرة التي تقع بين العوائل الكبيرة، ويصدرون أحكاماً ويعقدون مجالس صُلح ويقررون بنوداً، يغلبُ عليها طابع "العُرف"، وتلتزم بها كل الأطراف المتخاصمة.

وعادةً ما تبدأ تلك الطقوس بتلاوة آيات من القرآن تحضُّ على الصلح والاحتكام لشرع الله، يتلوها كلمات لوجهاء المنطقة، والطرف المحكِّم الذي يتلو بنود الاتفاق. وتنتهي تلك الطقوس بدعوةٍ على الطعام، التي يسبقها عملية ذبح رؤوس للغنم.

هذه الطقوس القديمة في سوريا، كانت تُطبق في كل المناطق ذات الصبغة العشائرية، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، من دير الزور، إلى أرياف حلب، و الرقة، والحسكة، وغيرها.

ومن القائمين على مجالس الصلح تلك كان أعضاء في مجلس الشعب السوري مثل الشيخ دياب الماشي، الذي نال لقب عميد البرلمانيين العرب، قبل أن يتوفى عام 2009. وشيوخ "الجيس" (آل بري في حلب)، وشيوخ شمّر في الحسكة، وشيوخ "البقارة" في دير الزور، وغيرهم من الوجهاء وشيوخ العشائر المعروفين في مختلف المناطق السورية.

لا للحكومة


وتلجأ العائلات إلى المحكّمين ووجهاء العشائر، في القضايا الكبرى، التي يُخشى من تفاقمها، إن وصلت لمحاكم الدولة، لاسيما جرائم الشرف، وجرائم القتل وغيرها.

ويوضح المصدر لـ"عربي بوست" قائلاً: "في القضايا الكبرى والخلافات التي تحدث بين العوائل يتم اللجوء إلى محكّم من طرف ثالث؛ لأن القضية إذا وصلت للمحاكم أو الحكومة (قبل الثورة) فإن المشكلة ستكبر أكثر، لذلك يحاول الجميع أن يتجنبوا تدخل الدولة".

ويضيف: "أجهزة أمن الحكومة السورية كانت تحاول التدخل الشكلي في القضايا من أجل كسب المال، فكان يتدخل الأمن السياسي أو الأمن العسكري أو أمن الدولة أو المخابرات الجوية، وأحياناً جميعهم يتدخلون، كي يتقاضوا أموالاً من الطرفين، وإثارة الفتن بين العشائر".

ويكمل: "أما بعد الثورة وبعد اندثار كل مؤسسات النظام، فقد أصبح الحكم لدار العدل في حوران، التي تأسست بعد الثورة، بالإضافة إلى هيئة الصلح التي تمارس عملها دون تدخلٍ من أحد".

ويختم المصدرقوله: "جرت أكثر من عملية صلح في حوران خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الثورة، لكن الصلح الحالي هو الأكبر من نوعه، لذلك جرى تصويره".

تحميل المزيد