جميلة هي الموجة الثقافية التي أغدقت العالم العربي فجأة وشبابه بالخصوص، حيث انتشرت ثقافة القراءة بشكل ملفت، بعدما كانت حكراً على نخبة جد قليلة، نادراً ما تصادفها في حجرة قطار أو في حديقة عامة متناولة جريدة أو مجلة وتارة كتاباً في أمثل الحالات.
لمَّةٌ ظهر نتاجها بقوة على مستوى نقاش الشباب العربي وتعاطيه مع القضايا المركبة المحلية منها والعالمية على مختلف المجالات العلمية منها والفلسفية وكذا الحياتية بصفة عامة، خصوصاً وفي ظل هذا الزخم التكنولوجي الطاغي، من وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من القراءة والتثقيف مجرد رجعية وتخلف في نظر البعض.
والأفضل أن هذا التعاطي انتقل من التنظير الصِّرف، إلى تجلٍّ وتطبيق في أطوار الحياة اليومية، تمخَّضت عنه تمظهرات عدة ثابتة ومحمودة كان لها الأثرُ الجلَلُ على مستوى وعي المجتمع وانسلاخه عن الموروثات الفكرية والعُرفية التي لم يعد لها بزماننا هذا وحيثياته أية صلة أو ضرورة.
أصبحت عناوين الكتب والروايات مشهورة ومتداولة في المجتمع كعناوين أفلام هوليودية شهرةً أو أكثر.. وأبرزها ما يتناول الجانب الروحي القلبي الذي يخاطب النفس البشرية ويداعب خدود فطرتها، لتعود اللمحة العاطفية والروحية لمجتمعاتنا أخيراً، بعد أن أجفلت سنين عدة مُختزِلة الأسرة والزواج في تلك الوحدة الصناعية المنتِجة للنسل والمحافِظة على سيرورته فقط!
ومنذ مدة وأنا أمسك بيدي رواية "قواعد العشق الأربعون" المتربِّعة على عرش الروايات والكتب الروحية، والتي يعتبر فحواها النموذج المثالي الذائع الصيت بين العامة، وكذا الأكثر مبيعاً في العالم، حيث ترسِّخ بعمق عدة مفاهيم ونفحات روحانية وقلبية لخَّصتها كاتبة الرواية "إليف شافاق" في كلمة "العشق" الذي اعتبرته الأساس الثابت والمحرك لمختلف التفاصيل الحياتية، ذلك الحب الذي يتعدى تأثيره كل المقاييس المادية والحدود الزمنية ليرقى بنا إلى مستوى صفاء القلوب ونقائها تذوب فيه مختلف الشوائب والفوارق المادية والسطحية.
هذا ما ظننته قبل قراءتي للرواية وأثناءها.. للأسف..
قبل أن أقفل آخر صفحة منها مدهوشاً وأنا أتساءل أهذا هو الحب المثالي الذي أجمع عليه هؤلاء!
كيف استطاعت "إليف" أن تقنع العامة أن ما قامت به شخصية "إيللا" بعد أن هجرت بيتها تاركة خلفها زوجاً وثلاثة أبناء صوب عشيقها الذي وجدته أخيراً.. كل هذا في سبيل ما سُمِّي حب!
ليس الحب يا "إليف" ذلك الشعور الغريزي الذي يأتي بغتة اتجاه شخص ما هكذا..
ليس تلك الأنانية التي قد تبيح لأحدهم ترك فلذات كبده خلفه بمصير مجهول دون التفات لحال واحتياج آخرين..
ليس الحب ذلك الهرب بحثاً عن تلك النشوة الفردية إشباعاً لغريزة بهيمية على حساب أخرى فطرية..
حبنا منفرد يا "إليف"، لقننا إياه ديننا الإسلامي، هو حب تضحية، حب إيثار، حب أرواح أكثر منه شهوة، هو حب إلهي يجمعنا أكثر منه عاطفي، حبنا حب صدق، حب مخاللة حب احتواء، حب رحمة ومودة، لا حب بؤس وفرار وانزواء وانطواء
براء هو حب شمس والرومي الإلهي السامي من حب الخواء المنبني على سعادة فرد مقابل التضحية بحيوانِ (حيوات) آخرين.
لا صلة لي بعشقك هذا يا "إليف"، فلي نبي كريم شهدت فيه الحِلم والإيثار والعدل والرحمة..
علَّمنا العشقَ خيرُ الخلق.. أن ما هكذا يكون العشق يا "إليف"!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.